(تنبيه) هذا الحديث مضى شرحه، وكذا ما يتعلق به من المسائل، وأورده هنا استدلالًا على عدم تحديد الماء الذي يستعمله المغتسل، حيث إنه لم يعلم مقدار ما استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عائشة في هذه القصة، فدل على أنه لا توقيت فيه، بل يكون على حسب الأحوال والأشخاص.
قال أبو بكر بن المنذر رحمه الله بعد ذكر حديث سفينة مولى أم سلمة، قال:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسله الصاع من الماء ويوضيه المد". أخرجه مسلم، وحديث أنس رضي الله عنه، قال:"حضرت الصلاة، فقام من كان قريب الدار من المسجد إلى أهله فتوضأ، وبقي قوم، فأتي
النبي - صلى الله عليه وسلم - بمخضب من حجارة فيه ماء، فوضع كفه فيه، فصغر أن يبسط
كفه فيه، فضم أصابعه فوضعها في المخضب، فتوضأ القوم جميعا كلهم، قال: قلنا: كم كانوا؟ قال: ثمانين رجلا" رواه البخاري.
قال: في هذا الحديث، وفي "اغتسال النبي - صلى الله عليه وسلم - وعائشة من إناء واحد، وفي قول ابن عمر: "كان الرجال والنساء في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضئون في الإناء الواحد" دليل على إباحة الوضوء والاغتسال بأقل من الصالح والمد؛ لأن الأمر إذا كان هكذا، فأخذهم الماء يختلف، وإذا اختلف أخذهم الماء دل على أنه لا حدّ فيما يطهر المتوضئ والمغتسل من
الماء إلا الإتيان على ما يجب من الغسل والمسح، وقد يختلف أخذ الناس للماء.
وقد أجمع أهل العلم على أن المد من الماء في الوضوء، والصاع في الاغتسال غير لازم للناس، وكان الشافعي يقول: وقد يرفق بالماء القليل فيكفي، ويخرق بالكثير فلا يكفي، وصدّق الشافعي هذا النصُّ. اهـ كلام ابن المنذر رحمه الله تعالى في الأوسط ج ١، ص ٣٦٠ - ٣٦١.