وقد اختلف العلماء في هذه المسألة: فذهب بعضهم إلى استحباب التأخير، وذهبت الحنفية إلى أن الأفضل إكمال الوضوء أولا إن كان يغتسل في محل لا يجتمع فيه الماء، وتأخير غسل القدمين إن كان يغتسل في نحو طست. وعن مالك إن كان المكان غير نظيف، فالمستحب تأخير غسلهما، وإلا فالتقديم وعند الشافعي في الأفضل قولان: أصحهما وأشهرهما أنه يكمل وضوءه لأن أكثر الروايات عن عائشة، وميمونة كذلك قاله النووي.
قال الحافظ في الفتح: وليس في شيء من الروايات عنهما التصريح بذلك، بل هي إما محتملة كرواية "توضأ وضوءه للصلاة"، أو ظاهرة في تأخيرهما كرواية أبي معاوية المتقدمة، ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة، أو صريحة في تأخيرهما كحديث الباب أي حديث البخاري وراويه مقدم في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن الأعمش -يعني سفيان الثوري- وروايته تأتي عند المصنف في ٤١٨.
قال الجامع عفا الله عنه: والحاصل أن قول النووي: لأن أكثر الروايات كذلك، غير صحيح.
قال الحافظ: وقول من قال: إنما فعل ذلك لبيان الجوار: متعقب، فإن في رواية أحمد عن أبي معاوية، عن الأعمش ما يدل على المواظبة، ولفظه:"كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه" فذكر الحديث، وفي آخره "ثم يتنحى فيغسل رجليه".
قال القرطبي: الحكمة في تأخير غسل الرجلين ليحصل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء. اهـ فتح ج ١ ص ٤٣١.
قال الجامع عفا الله عنه: الحاصل أن أرجح الأقوال قولُ من قال بالتأخير مطلقًا، لوضوح أدلته، والله أعلم.