ثم قال: والصواب من القول في ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه أخبر أنه لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون، فعم بخبره المطهرين، ولم يخص بعضًا دون بعض، فالملائكة من المطهرين والرسل والأنبياء من المطهرين، وكل من كان مطهرا من الذنوب فهو ممن استثنى وعُني بقوله:{إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}. اهـ ج ٢٧ ص ٢٠٥ - ٢٠٦.
قال الجامع عفا الله عنه: فظهر بهذا أن أكثر أقوال السلف بعيد عن المسألة، فلا يظهر الاستدلال بالآية عندهم.
وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره نحو ما تقدم، ثم قال: وقال آخرون: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة: ٧٩] أي من الجنابة والحدث، قالوا: ولفظ الآية خبر، ومعناها الطلب، قالوا: والمراد بالقرآن ها هنا المصحف كما روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، مخافة أن يناله العدو"، واحتجوا في ذلك بما رواه مالك في موطاه عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم: أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم:"أن لا يمس القرآن إلا طاهرٌ".
وروى أبو داود في المراسيل من حديث الزهري، قال: قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"ولا يمس القرآن إلا طاهر"، وهذه وجادة جيدة، قد قرأها الزهري وغيره، ومثل هذا ينبغي الأخذ به، وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم، وعبد الله بن عمرو، وعثمان بن أبي العاص، وفي إسناد كل منها نظر. اهـ كلام ابن كثير في تفسيره ج ٤ ص ٣١٩ - ٣٢٠.
قال الجامع عفا الله عنه: الاستدلال بحديث: "لا يمس القرآن إلا طاهر" هو الأولى، وقد تكلم فيه العلماء، ونلخص كلامهم الآن ليتم الاحتجاج بعد ثبوت صحته: