إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل، وفرك المني وحته، وإماطته بإذخرة، وأمثال ذلك كثيرة، ولم يأت دليل يقضي بحصر التطهير في الماء، ومجرد الأمر به في بعض النجاسات لا يستلزم الأمر به مطلقا، وغايته تعيينه في ذلك المنصوص بخصوصه إن سلم.
فالإنصاف أن يقال: إنه يطهر كل فرد من أفراد النجاسة المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص، إن كان فيه إحالة على فرد من أفراد المطهرات، لكن إن كان ذلك الفرد المحال عليه هو الماء فلا يجوز العدول عنه إلى غيره للمزية التي اختص بها، وعدم مساواة غيره له فيها، وإن كان ذلك الفرد غير الماء جاز العدول عنه إلى الماء لذلك، وإن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على فرد من أفراد المطهرات، بل مجرد الأمر بمطلق التطهير فالاقتصار على الماء هو اللازم لحصول الامتثال به بالقطع، وغيره مشكوك فيه، وهذه طريقة متوسطة بين القولين، لا محيص عن سلوكها.
فإن قلت: مجرد وصف الماء بمطلق الطهورية لا يوجب له المزية، فإن التراب يشاركه في ذلك. قلت: وصف التراب بالطهورية مقيد بعدم وجدان الماء بنص القرآن، فلا مشاركة بذلك الاعتبار. انتهى كلام الشوكاني في نيل الأوطار جـ ١ ص ٧٠.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الشوكاني رحمه الله هو التحقيق الحقيق بالقبول، لكن تمثيله بفرك المني وحته مبني على ما رجحه هو من أن المني نجس, وسيأتي لنا ترجيح خلافه في الباب التالي إن شاء الله تعالى، فتأمل بإنصاف، ولا تتخير بالاعتساف، والله الهادي إلى سواء السبيل.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".