للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومن هذا النص يتبين لنا صواب وجهة النظر التي تبناها ابن حجر في الإخراج عمن لم يجمع على تركه أوّلًا، ثم ميل النسائي إلى التشدد ثانيًا، وهذا يدعونا إلى التأكد بأنه في تعليله للأحاديث وتنويعها لا يخرج عن شرطه الذي رسمه لنفسه فلا يرتضى تعليل حديث برجل واه، أو متروك، فإن كان ضعيفًا بينه ويختار الترجيح على طريقة الأحفظ والأكثر، حتى إن العلامة محمَّد بن إسماعيل الأمير في توضيح الأفكار ١/ ٢٢١، يقول: لا يخفى أنه قال أئمة هذا الشأن في سنن النسائي الكبرى بقولين: الأول: أن شرطه فيها أشد من شرط الشيخين.

الثاني: أن شرطه فيها شرط سنن أبي داود، وهو إخراج حديث من لم يجمع على تركه.

والرأي الثاني هو الصواب والحق، وإن كان في الكبرى قد أخرج عن رجال لم يخرج لهم في المجتبى لكنهم في واقع الأمر على شرطه، وهو في الغالب لا يسكت عن الضعيف بل يبينه بما يستحق، وأظهر في هذا الجانب براعة فائقة وبصيرة نافذة، ومن تتبع كلامه في هذا الجانب تحير من حسن كلامه، كما قال الحاكم النيسابوري، فانظر مثلا قوله في عمرو بن أبي عمرو: ليس بالقوي في الحديث، وإن كان قد روى عنه مالك تجده في غاية اللطافة، وقوله: سفيان في الزهري ليس بالقوي، وهو سفيان بن حسين، وقوله في محمد بن الزبير الحنظلي: ضعيف لا تقوم بمثله حجة، وقد اختلف عليه في هذا الحديث ثم بدأ يسوق اختلاف رواياته التي اضطرب بها مبررا دليله على ذلك، انظر المجتبى ٧/ ٢٨.

وهو في صنيعه هذا قد فاق أصحاب الكتب الستة؛ لأن الإمام البخاري لا يعرج على ذلك، وأما مسلم: فيُعنَي بالأسانيد لزيادات في ألفاظ المتون. وأما أبو داود: فكانت عنايته مُنْصَبَّةً على إخرج أحاديث الأحكام، وكفى.