كان في غزوة تبوك، وهي آخر غزوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لم يُعطهن) بالبناء للمفعول أيضا، ونائب فاعله قوله (أحد قبلي) زاد في رواية للبخاري في الصلاة عن محمَّد بن سنان "من الأنبياء" يعني أن الله تعالى أعطاه هذه الخصال وخصه بهن، ولم يشاركه فيهن أحد من الأنبياء الذين قبله، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما:"لا أقولهن فخرًا" يعني أنه إنما ذكر هذا اعترافا بالنعمة، وأداء لشكرها، وامتثالا لأمره تعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[الضحى: آية ١١] لا افتخارًا وتطاولا على غيره من الخلق، ثم إن مفهوم الحديث أنه لم يختص بغير الخمس المذكورة، لكن روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا:"فُضِّلتُ على الأنبياء بست" فذكر أربعا من هذه الخمس، وزاد ثنتين "وأعطيت جوامع الكلم، وختم في النبيون".
قال في الفتح: وطريق الجمع أن يُقال: لعله اطلع أولا على بعض ما اختص به، ثم اطلع على الباقي، ومن لا يرى مفهوم العدد حجةً، يدفع هذا الإشكال من أصله.
وظاهر الحديث يقتضي أن كل واحدة من الخمس المذكورات لم تكن لأحد قبله، وهو كذلك، ولا يعترض بأن نوحا عليه السلام كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان, لأنه لم يَبْقَ إلا من كان مؤمنا معه، وقد كان مرسلا إليهم, لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته، وإنما اتفق بالحادث الذي وقع، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس، وأما نبينا - صلى الله عليه وسلم - فعموم رسالته من أصل البعثة، فثبت اختصاصه بذلك، وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة:"أنت أول رسول إلى أهل الأرض" فليس المراد به عموم بعثته، بل إثبات أولية إرساله، وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن إرسال نوح كان إلى قومه، ولم يذكر أنه