أرسل إلى غيرهم، واستدل بعضهم لعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض، فأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة، ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا لقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء: آية ١٥] وقد أثبت أنه أول الرسل، وأجيب بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح، وعَلم نوح بأنهم لم يؤمنوا، فدعا على من لم يؤمن من قومه ومن غيرهم، فأُجيبَ أي استجيب دعاؤه. وهذا جواب حسن، لكن لم ينقل أنه نُبِّئَ في زمن نوح غيره.
ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا - صلى الله عليه وسلم - في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة، ونوح وغيره بصدد أن يبعث نبي في زمانه، أو بعده، فينسخ بعض شريعته، ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بلغ بقية الناس، فتمادوا على الشرك، فاستحقوا العقاب، وإلى هذا نحا ابن عطية في تفسير سورة هود، قال: وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد لطول مدته.
وَوَجَّههُ ابن دقيق العيد بأن توحيد الله تعالى يجوز أن يكون عاما في حق بعض الأنبياء، وإن كان التزام فروع الشريعة ليس عاما, لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم.
ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح، فبعثته خاصة، لكونها إلى قومه فقط، وهي عامة في الصورة لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم.
قال الجامع: هذا الاحتمال الأخير هو الأظهر، لموافقته لظاهر قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء: آية ١٥] من غير تكلف، وما عداه فالتكلف فيه واضح ظاهر. والله أعلم.