قال أبو محمد: وهذا اعتراض صحيح، والرسول - صلى الله عليه وسلم - مفترض عليه الانقياد لأمر ربه عز وجل، فإنما الناسخ هو الأمر الوارد من الله عز وجل، لا العمل الذي لابد منه، والذي إنما يأتي انقيادًا لذلك المطاع.
فيقال لمن خالفنا في هذه المسألة: أيفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو يقول شيئًا من قِبَلِ نفسِه دون أن يوحى إليه به؟ فإن قال: نعم، كفر وكَذَّبَهُ ربه تعالى بقوله عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣، ٤]، وبقوله تعالى آمرًا له أن يقول:{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}[يونس: ١٥]، فلما بطل أن يكون فعله - صلى الله عليه وسلم - أو قوله إلا وحيًا، وكان الوحي ينسخ بعضه بعضًا، كانت السنة والقرآن ينسغ بعضها بعضًا.
قال أبو محمد: ومما يبين نسخ القرآن بالسنة بيانا لا خفاء به قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}[النساء: ١٥]، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عَنِّي خذوا عَنِّي، قد جعل الله لهن سبيلًا: البكر بالبكر جَلْدُ مائة، وتغريب سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم"، فكان كلامه - صلى الله عليه وسلم - الذي ليس قرآنًا ناسخًا للحبس الذي ورد به القرآن.
فإن قال قائل: ما نسخ الحبس إلا قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور: ٢].