رفع البتة، فوجب ضرورة أن ما ارتفع (١)، وهذا نفس ما أجزنا من نسخ القرآن بالسنة، فإن قالوا: إنما رفع بالإنساء، قيل لهم: الإنساء ليس قرآنًا، وإنما هو فعل منه تعالى، وأمر بألا يتلى.
قال: ومما نسخ من القرآن بالسنة قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}[البقرة: ١٨٠] نسخ بعضها قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا وصية لوارث".
وقد قال قوم: إن آيات المواريث نسخت هذه الآية.
قال أبو محمد: وهذا خطأ محض، لأن النسخ هو رفع حكم المنسوخ ومضادّ له، وليس في آية المواريث ما يمنع الوصية للوالدين والأقربين، إذ جائز أن يرثوا ويُوصَى لهم مع ذلك من الثلث.
قال: ومما نسخ من السنة بالقرآن صُلْحُهُ - صلى الله عليه وسلم - أهلَ الحديبية إلى المدة التي كانت، ثم نسخ الله تعالى ذلك في سورة براءة، ولم يَجُزْ لنا صلح مشركٍ إلا على الإسلام فقط، حاشا أهل الكتاب، فإنه تعالى أجاز صلحهم على أداء الجزية مع الصَّغَار، وأبطلَ تعالى تلك الشروط كلها، وتلك المدة كلها، وبالله التوفيق. اهـ. ما قاله أبو محمد بن حزم في "الإحكام في أصول الأحكام" جـ ١ ص ٥١٨ - ٥٢٥ باختصار. والله
تعالى أعلم.
(١) هكذا النسخة، ولعل الصواب: "أنه ما ارتفع" أي أن ذلك المرفوع لم يرتفع بمتلوّ، بل إنما إرتفع بالسنة والله أعلم.