الشياطين تحضر تلك الأمكنة، وهي مواضع يهجر فيها ذكر الله تعالى، فيقدم لها الاستعاذة، تحصنا منهم، لأن لهم تسلطا على ابن آدم لم يكن في غيرها، لبعد الحفظة عنه، والصحراء تصير مأوى لهم بخروج الخارج، فلو نسي التعوذ، فدخل، فذهب ابن عباس وغيره إلى كراهة التعوذ، وأجازه جماعة، منهم ابن عمر رضي الله عنهما أفاده العيني.
قال الجامع: والراجح عندي القول الأول لما قدمنا من كراهة الذكر في محل النجاسات.
"المسألة السادسة" اختلف العلماء في جواز ذكر الله تعالى على الخلاء، فروي عن ابن عباس أنه كره أن يذكر الله تعالى عند الخلاء، وهو قول عطاء، ومجاهد، والشعبي. وقال عكرمة: لا يذكر الله فيه بلسانه بل بقلبه. ذكره العيني في عمدته جـ ٢/ ص ٢٥٤.
قال الجامع: هذا القول عندي هو الراجح، لما روى أبو داود بسند صحيح عن المهاجر بن قُنْفُذ، أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه، حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال:"إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر" أو قال: "على طهارة".
وأجاز ذلك جماعة روى ابن وهب أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يذكر الله تعالى في المرحاض، وقال العزرمي: قلت للشعبي: أعطس وأنا في الخلاء أحمد الله؟ قال: لا حتى تخرج، فأتيت النخعي فسألته عن ذلك، فقال لي: احمد الله، فأخبرته بقول الشعبي، فقال النخعي: الحمد يصعد ولا يهبط، وهو قول ابن سيرين، ومالك، وقال ابن بطال: وهذا الحديث (١) حجة لمن أجاز ذلك.