والظاهر أن أبا هريرة - رضي الله عنه - علم أن الرجل خرج بدون ضرورة مبيحة للخروج، كحاجة الوضوء مثلًا، فلذا جزم بعصيانه.
ثم إن ظاهر الحديث يدل على تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان، لأنه -وإن كان موقوفًا- لكنه في حكم المرفوع، إذ مثل هذا لا يقال من قبل الرأي، كما سيأتي تمام البحث فيه في المسائل إن شاء الله تعالى.
بل قد جاء ما يدل على رفعه صريحًا، فقد أخرج الحديث أحمد من طريق المسعودي وشريك، كلاهما عن أشعث عن أبي الشعثاء بنحوه، وزاد: في حديث شريك، ثم قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كنتم في المسجد، فنودي بالصلاة، فلا يخرج أحدكم حتى يصلي" وكذا ورد التصريح عند الطبراني في الأوسط من رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله: "لا يسمع النداء في مسجدي هذا، ثم يخرج منه لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلا منافق".
قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري: رواته محتج بهم في الصحيح.
وقوله:"مسجدي هذا" ليس للاحتراز عن غيره، كما يدل عليه ما أخرجه ابن ماجه بسنده إلى عثمان - رضي الله عنه -، أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أدركه الأذان في المسجد، ثم خرج لم يخرج لحاجة، وهو لا يريد الرجعة، فهو منافق".