والأرض, فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لهم تنافس في المحل عنده، فكل يحب أن تكون له خصوصية يستدل بها على محله عنده، ولهذا لما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - العِفْرِيت الذي أراد أن يقطع عليه صلاته، وأمكنه الله منه، أراد ربطه، ثم تذكر قول أخيه سليمان:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}[ص: ٣٥]، فرده خاسئا.
فلو أعطي أحد بعده مثله ذهبت الخصوصية، فكأنه كره - صلى الله عليه وسلم - أن يزاحمه في تلك الخصوصية، بعد أن علم أنه شيء هو الذي خص به من تسخير الشياطين (١)، وأنه أجيب إلى ألا يكون لأحد بعده. أفاده القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره. جـ ١٥ ص ٢٠٤ - ٢٠٥.
وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: والصحيح أنه سأل من الله تعالى ملكًا لا يكون لأحد من بعده من البشر مثله، وهذا هو ظاهر السياق من الآية، وبذلك وردت الأحاديث الصحيحة من طرق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم أورد حديث العفريت في الصحيحين وغيرهما.
ولفظ البخاري في التفسير: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إن عفريتًا من الجن تَفَلَّتَ عليَّ البارحة -أو كلمة نحوها- ليقطع عليَّ الصلاة، فأمكنني الله تبارك وتعالى منه، وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا، وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان عليه الصلاة والسلام:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}[ص: ٣٥]، قال رَوْحٌ:
(١) هكذا عبارة القرطبي، وفيها ركاكة ولعل الصواب: "بعد أن علم أنه هو الذي خُصَّ بتسخير الشياطين له"، أو نحو ذلك والله تعالى أعلم.