فقال رجل أعجمي: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: الصوت. -يعني الضرطة- وكذا فسره أيضاً أبو سعيد الخدري في روايته للحديث، وهو عند أحمد. قال صاحب المفهم: وهو منه -أي من أبي هريرة- تمسك بالعرف الشرعي، قال: وقد فسره غيره بأنه الحدث الذي يصرفه عن إحضار قصد انتظار الصلاة، وحمله على الإعراض عن ذلك، سواء كان مسوغاً، أو غير مسوغ، وهو تمسك بأصل اللغة. قال: وحمله بعضهم على إحداث مَأثَم. والله أعلم.
المسألة التاسعة:
إذا فسرنا الحدث بالعرف الشرعي، كما فسره أبو هريرة رضي الله عنه، فما وجه اقتصاره على ذكر الضُّراط، والفُسَاء، وليس الحدث منحصراً فيهما.
والجواب أنه لما ذكر الحدث في المسجد ترك أبو هريرة منه ما لا يشكل أمره من البول والغائط في المسجد، فإنه لا يتعاطاه في المسجد ذو عقل، ونبه أبو هريرة بالأدنى على الأعلى، كما ثبت في جامع الترمذي من حديثه أيضًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"لا وضوء إلا من صوت أو ريح"، فإنه لم يرد به أنه لا يجب الوضوء من البول والغائط، وإنما المراد به تفسير ما عدا العين الخارجة من أحد السبيلين، وأنه لا يجب إلا من هذين الأمرين، من قرقرة البطن ونحوها، وأما بقية الأحداث، كلمس النساء، ومس الفرج، فمن لم ير النقض بها لا يجعل ذلك