للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح أميره بُرَيدة أن يُنزل عدوه إذا حاصرهم على حكم الله، وقال "فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ ولكن أنزلهم على حكمك، وحكم أصحابك" فتأمل كيف فرق بين حكم الله وحكم الأمير المجتهد، ونهى أن يُسمَّى حكم المجتهدين حكم الله، ومن هذا لما كتب الكاتب بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حُكْما حكم به، فقال: هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر، فقال: لا تقل: هكذا، ولكن قل: هذا ما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: لم يكن من أمر الناس، ولا من مضي من سلفنا، ولا أدركلت أحدا أقتدى به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره كذا ونرى هذا حسنا، فينبغي هذا، ولا نرى هذا، ورواه عنه عتيق ابن يعقوب، وزاد: ولا يقولون: حلال، ولا حرام، أما سمعت قول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: ٥٩] الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله.

قال الحافظ ابن القيم: وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة فَنَفَى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة، ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى، وهذا كثير جدًا في تصرفاتهم فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة.