للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وذهب الثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة إلى كراهة الصلاة في المقبرة، ولم يفرقوا كما فرق الشافعي، ومن معه بين المنبوشة وغيرها.

وذهب مالك إلى جواز الصلاة في المقبرة وعدم الكراهة، والأحاديث ترد عليه. وقد احتج له بعض أصحابه بما يقضي منه العجب؛ فاستدل له بأنه -صلى الله عليه وسلم- صلى على قبر المسكينة السوداء، وأحاديث النهي لا تقصر عن الدلالة على التحريم الذي هو المعنى الحقيقي له، وقد تقرر في الأصول أن النهي يدل عَلَى فساد المنهي عنه، فيكون الحق التحريم والبطلان؛ لأن الفساد الذي يقتضيه النهي هو المرادف للبطلان من غير فرق بين الصلاة على القبر وبين المقابر، وكل ما صدق عليه لفظ المقبرة. أفاده العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الحق ما ذهب إليه المانعون من الصلاة في المقبرة، أو إليها، أو عليها مطلقاً، وأن الصلاة باطلة؛ لأن النهي للتحريم، ولا صارف له، والنهي يقتضي الفساد والبطلان. إلا الصلاة على الميت عملاً بما صح من الأحاديث في ذلك. فعموم النهي عن الصلاة فيها، وإليها، مخصوص بأحاديث الصلاة على الميت، وبهذا تجتمع الأحاديث من غير تعارض. وبالله التوفيق.

قال العلامة المحقق أبو محمد ابن حزم رحمه الله: وكل هذه الآثار حق، فلا تحل الصلاة حيث ذكرنا، إلا صلاة الجنازة؛ فإنها تصلى في


(١) نيل الأوطار جـ ٢ ص ٣٣٦ - ٣٣٧.