للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال المازري: قيل: "حتى" هنا بمعنى الواو، فيكون التقدير: لا يملّ، وتملون، فنفى عنه الْمَلال، وأثبته لهم، قال: وقد قيل: "حتى" بمعنى "حين"، والأول أليق، وأحرى على القواعد، وأنه من باب المقابلة اللفظية. وقال ابن حبان في صحيحه: هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد مما يخاطب به إلا بها. وهذا رأيه في جميع المتشابه. اهـ كلام السيوطي (١).

قال الجامع: ليس في هذا الحديث إثبات الملل لله عز وجل صريحاً، بل هو من باب مفهوم المخالفة، وأما صريحه فنفي الملل عنه، فلا ينبغي أن نثبت به صفة الملل، فالأولى عندي قول بعضهم: إن "حتى" هنا بمعنى الواو، وليست للغاية، فيكون المعنى إن الله لا يمل، وأنتم تملون، أو يكون المعنى لا يمل إذا مللتم.

والمراد به تشجيعهم على المداومة على الأعمال القليلة التي لا تنقطع، ولا تؤدي إلى الملل، حيث إن الله تعالى لا يلحقه ملل، فلا ينبغي للعبد أن يمل عن الإقبال عليه، إذ يؤدي ملله إلى إعراض الله عنه، فإن من أعرض عن الله أعرض الله عنه؛ فقد أخرج الشيخان عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: "ألا أخبركم عن النفر الثلاثة، فأما أحدهم فاوى إلى الله، فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه".


(١) زهر الربى جـ ٢ ص ٦٨ - ٦٩.