قال أبو عمر رحمه الله: أما قول الشافعي: إنّ الناس إنما كلفوا في غيرهم الأغلبَ مما يظهر لهم، ولم يكلفوا علم ما غاب عنهم من حال إمامهم، فقول صحيح، إلا أن استدلاله بحديث هذا الباب على جواز صلاة القوم خلف الإمام الجنب، هو خارج على مذهبه في أحد قوليه الذي يجيز فيه إحرام المأموم قبل إمامه، وليس ذلك على مالك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ كبر -وهو جنب- ثم ذكر حاله، فأشار إلى أصحابه أن امكثوا، وانصرف، فاغتسل، لا يخلو أمره إذ رجع من أحد ثلاثة وجوه:
إما أن يكون بنى على التكبيرة التي كبرها، وهو جنب، وبنى القوم معه على تكبيرهم، فإن كان هذا، فهو منسوخ بالسنة والإجماع، فأما السنة فقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور". فكيف يبني على ما صلى، وهو غير طاهر، هذا لا يظنه ذو لب، ولا يقوله أحد؛ لأن علماء المسلمين مجمعون على أن الإمام لا يبني على شيء عمله في صلاته، وهو على غير طهارته، وإنما اختلفوا في بناء المحدث على ما صلى، وهو طاهر قبل حدثه في صلاته.
والوجه الثاني: أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين انصرف بعد غسله، استأنف صلاته، واستأنفها أصحابه معه بإحرام جديد، وأبطلوا إحرامهم معه، وقد كان لهم أن يعتدوا به لو استخلف لهم من يتم بهم، فهذا الوجه، وإن صح في مذهب مالك من وجه، فإنه يبطل الاستدلال به من هذا الحديث على جواز صلاة القوم خلف الإمام الجنب؛ لأنهم