للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رضي الله عنها، فإن فيه: "وصلى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا". والجمع بينهما أن في رواية أنس هذا اختصاراً، وكأنه اقتصر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم بالجلوس. وفي رواية للبخاري من رواية حميد، عن أنس رضي الله عنه: "فصلى بهم جالساً، وهم قيام، فلما سلم، قال: إنما جعل الإمام … " وفيها اختصار أيضاً؛ لأنه لم يذكر فيه قوله لهم: "اجلسوا". والجمع بينهما أنهم ابتدؤوا الصلاة قياماً، فأومأ إليهم أن يقعدوا، فقعدوا، فنقل كل من الزهري، وحميد أحد الأمرين، وجمعتهما عائشة، وكذا جمعهما جابر عند مسلم.

وجمع القرطبي بين الحديثين باحتمال أن يكون بعضهم قعد من أول الحال، وهو الذي حكاه أنس رضي الله عنه، وبعضهم قام حتى أشار إليهم بالجلوس، وهو الذي حكته عائشة رضي الله عنها. وتعقب باستبعاد قعود بعضهم بغير إذنه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يستلزم النسخ بالاجتهاد؛ لأن فرض القادر في الأصل القيام. وجمع آخرون بينهما باحتمال تعدد الواقعة، وفيه بعد؛ لأن حديث أنس إن كانت القصة فيه سابقة لزم منه ما ذكرناه من النسخ بالاجتهاد، وإن كانت متأخرة لم يحتج إلى إعادة قول: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" إلخ. لأنهم قد امتثلوا أمره السابق، وصلوا قعوداً, لكونه قاعداً. قاله في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قول من قال بتعدد الواقعة لا بُعْدَ فيه؛


(١) جـ ٢ ص ٤٠٨.