منه، فلا حد له في اللغة يُرجع إليه، وليس من الأفعال المعروفة التي يرجع فيها إلى العرف، كالحرز، والقبض، وإحياء الموات، والعباداتُ ترجع إلى الشارع في مقدارها وصفاتها وهيآتها، كما يُرجع إليه في أصلها، فلو جاز الرجوع في ذلك إلى عرف الناس، وعوائدهم في مسمى التخفيف والإيجاز لاختلفت أوضاع الصلاة، ومقاديرها اختلافًا بينًا لا ينضبط.
ولهذا لَمَّا فهِمَ بعضُ من نكس الله قلبه أن التخفيف المأمور به هو ما يمكن من التخفيف اعتقد أن الصلاة كلما خففت، وأخرت كانت أفضل، فصار كثير منهم يمر فيها مَرّ السهم، ولا يزيد على "الله أكبر" في الركوع والسجود بسرعة، فيكاد سجوده يسبق ركوعه، وركوعه يكاد يسبق قراءته، وربما ظن الاقتصار على تسبيحة واحدة أفضل من ثلاث.
ويحكى عن بعض هؤلاء أنه رأى غلامًا له يطمئن في صلاته، فضربه، وقال: لو بعثك السلطان في شغل أكنت مبطئًا عن شغله مثل هذا الإبطاء؟ وهذا كله تلاعب بالصلاة، وتعطيل لها، وخداع من الشيطان. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي حققه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى هو الراجح عندي، وإن اعترض عليه الصنعاني، وطول الكلام في الرد عليه في كتابه "العدة حاشية العمدة"(١).