وحكى ابن المنذر عن سعد بن أبي وقاص، وحذيفة، وابن الزبير رضي الله عنهم أنهم كانوا لا يرون الاستنجاء بالماء، وعن سعيد بن المسيب قال: ما يفعل ذلك إلا النساء، وقال عطاء: غسل الدبر مُحدَث.
وقالت الزيدية والقاسمية من الشيعة: لا يجوز الاستنجاء بالأحجار مع وجود الماء، فأما سعيد وموافقوه فكلامهم محمول على أن الاستنجاء بالماء لا يجب، أو أن الأحجار أفضل، وأما الشيعة فلا يعتدُّ بخلافهم، ومع هذا فهم محجوجون بالأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالاستنجاء بالأحجار، وأذنَ فيه، وفَعَلَه.
وأما الدليل على جوازه بالماء: فأحاديث كثيرة صحيحة مشهورة:
منها: حديث الباب.
ومنها: حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت لنسوة: مُرْنَ أزواجكن أن يستنجوا بالماء، فإني أستحييهم منه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله، حديث صحيح، يأتي بعد هذا.
وحديث أبي هريرة "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى الخلاء أتيته بماء في ركوة، فاستنجى، ثم مسح يده على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر، فتوضأ. رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والبيهقي، ولم يضعفه أبو داود، ولا غيره، وإسناده صحيح إلا أن فيه شريك بن عبد الله القاضي، وقد اختلفوا في الاحتجاج به، وفي المسألة أحاديث كثيرة.
قال الخطابي: وزعم بعض المتأخرين أن الماء مطعوم، فلهذا كره الاستنجاء به سعيدٌ وموافقوه، وهذا قول باطل منابذ للأحاديث الصحيحة. والله أعلم، اهـ كلام النووي، جـ ١/ ص ١٠٢ بتغيير يسير.