معرفتها أذواق الفُهَمَاء، فلا ينبغي الاشتغال بمثلها، بل تُفَوَّض إلى علم من له الخلق والأمر، جَلَّت عظمته، ودقّت حكمته، وعِلْمِ من أُوحي إليه بتبليغ الأحكام، وإيضاح أسرار التشريع للأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
ثم إنه قد خاض قوم في تعيين الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة، قال ابن الجوزي رحمه الله: وما جاؤوا بطائل، وقال المحب الطبري: ذكر بعضهم أن في حديث أبي هريرة رضي الله عنه (١) إشارة إلى بعض ذلك. ويضاف إليه أمور أخرى وردت في ذلك، وقد فصلها ابن بطال، وتبعه جماعة من الشارحين، وتعقب الزين ابن المنير بعض ما ذكره، واختار تفصيلاً آخر أورده. قال الحافظ: وقد نَقَّحْتُ ما وقفت عليه من ذلك، وحذفت ما لا يختص بصلاة الجماعة:
فأولها: إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة، والتبكير إليها في أول الوقت، والمشي إلى المسجد بالسكينة، ودخول المسجد داعيًا، وصلاة التحية عند دخوله، كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة.
(١) لفظ حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه؛ اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة" متفق عليه، واللفظ للبخاري.