الماء مَصًا ولا تعبوه عَبًا، فإنه أهنأ، وأبرأ" (١).
فإن قلت: قد صح عن أنس رضي الله عنه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتنفس في الإناء ثلاثًا" قلت المعنى يتنفس في مدة شربه عند إبانة القدح عن الفم، لا التنفس في الإناء لا سيما مع قوله هو "أهنأ، وأمرأ، وأبرأ" أو فعله بيانا للجواز، أو النهي خاص بغيره، لأن ما يتقذر من غيره يستطاب منه، فإن قلت: هل الحكم مقصور على الماء أم غيره من الأشربة مثله.
قلت: النهي المذكور غير مختص بشرب الماء بل غيره مثله، وكذلك الطعام مثله فكره النفخ فيه، والتنفس في معنى النفخ. وفي جامع الترمذي مصححا عن أبي سعيد الخدرى أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: القذاة أراها في الإناء؟ قال: "أهرقها"، قال: فإني لا أروي من نفس واحد، قال: "فأبن القدح إذًا عن فيك".
فإن قلت: ما الدليل علي العموم؟ قلت: حذف المفعول في قوله "وإذا شرب"، وذلك لأن حذف المفعول ينبىء عن العموم. اهـ عمدة جـ ٢/ ص ٢٨٣.
"المسألة السادسة": "قوله فلا يمس ذكره بيمينه" حمل الجمهور النهي على التنزيه، لأن النهي فيه لمعنيين: أحدهما لرفع قدر اليمين، والآخر أنه لو باشر النجاسة بها يتذكر عند تناوله الطعام ما باشرت يمينه من النجاسة فينفر طبعه من ذلك.
وحمل أهل الظاهر على التحريم حتى قال الحسين بن عبد الله الناصري في كتابه البرهان على مذهب أهل الظاهر: ولو استنجى بيمينه لا يجزيه، وهو وجه عند الحنابلة وطائفة من الشافعية اهـ عمدة جـ ٢.
وقال الحافظ: ومحل هذا الاختلاف حيث كانت اليد تباشر ذلك بآلة
(١) أخرجه ابن عدي في الكامل، والبيهقي في الشعب، وأورده الشيخ الألباني في الضعيفة رقم ١٤٢٨ جـ ٣ ص ٦١٩ وتكلم عن ضعفه. فانظره.