بعدهم، ولا يُعرف من خالف فيه إلا مالك رحمه الله، فقال: لا يأتي بدعاء الاستفتاح، ولا بشيء بين القراءة والتكبير أصلًا، بل يقول: الله أكبر {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة: ٢] إلى آخر الفاتحة. واحتُجَّ له بحديث المسيء صلاته، فإنه ليس فيه استفتاح، وقد يُحتَجّ له بحديث أنس "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمر رضي الله عنهما يفتتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} "[الفاتحة: ٢] متفق عليه، ويأتي للمصنف -٢٠/ ٩٠٣.
ودليلنا الأحاديث الصحيحة، ولا جواب له عن واحد منها، والجواب عن حديث المسيء صلاته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما علمه الفرائض فقط، وليس هذا منها، والجواب عن حديث أنس رضي الله عنه أن المراد يفتتحون القراءة، كما في رواية مسلم، ومعناه أنهم يقرأون الفاتحة قبل السورة، وليس المقصود أنه لا يأتي بدعاء الاستفتاح، وقد بَيَّنَه حديث عائشة رضي الله عنها "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة: ٢]، متفق عليه. وكيف كان فليس فيه تصريح بنفي دعاء الاستفتاح، ولو صرح بنفيه كانت الأحاديث الصحيحة التظاهرة بإثباته مقدمة، لأنها زيادة
ثقات، ولأنها إثبات، وهو مقدم على النفي. والله أعلم.
وأما ما يستفتح به فيستفتح بـ"وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض" إلخ. الآتي -١٧/ ٨٩٧ - وبه قال علي بن أبي طالب، وقال عمر بن الخطاب، وابن مسعود، والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة،