للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الآخر. وقيل لشُرَيح: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت، ونصف الناس علي غضَاب. يريد أن الناس محكوم له، ومحكوم عليه، فالمحكوم عليه غَضبان عليّ لاستخراجي الحقَّ منه، وإكراهي إياه عليه. وكقول الشاعر [من الطويل]:

إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَيْنِ شَامِتٌ … بِمَوْتِي وَمُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَفْعَلُ

انتهى كلام الخطابي رحمه الله تعالى (١).

(فنصفها لي) مبتدأ وخبر، أي نصف الفاتحة خاص بي، وهو الثلاث الآيات الأول {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٢ - ٣ - ٤]، (ونصفها لعبدي) أي خاص به، وهو من: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخر السورة.

والإضافة في قوله: "عبدي" إضافة تشريف وتكريم، حيث تحقق بصفات العبودية، والقيام بحقوق الربوبية، وشهوده آثارهما، وأسرارهما في صلاته التي هي معراج الأرواح، وروح الأشباح، وغرس تجليات الأسرار التي يتخلى بها العبد عن الأغيار. ولما كان وصف العبودية غايةَ الكمال؛ إذ به ينصرف الإنسان من الخلق إلى الحق وَصَفَ به الله تعالى به نبيه - صلى الله عليه وسلم - في مقام الكرامة، فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: ١] الآية، وقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: ١] الآية، وقال: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: ١٠] (٢).


(١) "معالم السنن" جـ ١ ص ٣٨٨ - ٣٨٩.
(٢) "المنهل العذب المورود" بتصرف جـ ٥ ص ٢٤٨.