تقدمت الإشارة إليها، حيث جاء فيها بلفظ الراكد بدل الدائم، وكذا أخرجه مسلم من حديث جابر، وقال ابن الأنباري: الدائم من حروف الأضداد، يقال للساكن، والدائر، ومنه أصاب الرأس دوام أي دوار، وعلى هذا فقوله:"الذي لا يجري"، صفة مخصصة لأحد معنى المشترك، وقيل الدائم، والراكد مقابلان للجاري، لكن الدائم الذي له نبع، والراكد الذي لا نبع له. اهـ فتح جـ ١/ ص ٤١٣.
(ثم يتوضأ منه) وفي الرواية الثانية "ثم بغتسل منه" وهي رواية البخاري، وغيره، ثم المشهور رفع الفعل، فتكون الجملة خبرا لمبتدإ محذوف، أي ثم هو يتوضأ منه، والجملة بمنزلة علة النهي، أي لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، لأنه يتوضأ منه، أو يغتسل منه بعدُ، و"ثُمَّ" للاستبعاد، فكأنه قال: كيف يبول فيه، وهو يحتاج إليه للوضوء أو الغسل، أفاده في المنهل.
وقال الحافظ في الفتح: قوله "ثم يغتسل منه" بضم اللام على المشهور، وقال ابن مالك: يجوز الجزم عطفا على "يبولن" لأنه مجزوم الموضع بلا الناهية، ولكنه بني على الفتح لتوكيده بالنون، ومنع من ذلك القرطبي فقال: لو أراد النهي لقال: ثم لا يغتسلن فيه، فحينئذ يتساوى الأمران في النهي عنه لأن المحل الذي تواردا عليه شيء واحد وهو الماء، قال: فعدوله عن ذلك يدل على أنه لم يرد العطف، بل نبه على مآل الحال، والمعنى أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه، فيمتنع عليه استعماله، ومَثَّلَه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يضربن أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها" فإنه لم يروه أحد بالجزم، لأن المراد النهي عن الضرب، لأنه يحتاج في مآله إلى مضاجعتها، فتمتنع لإساءته إليها، فلا يحصل له مقصوده، وتقدير اللفظ ثم هو يضاجعها، وفي حديث الباب "ثم هو يغتسل منه".