وتعقب بأنه لا يلزم من تأكيد النهي، أن لا يعطف عليه نهي آخر غير مؤكد، لاحتمال أن يكون للتأكيد في أحدهما معنى ليس للآخر.
قال القرطبي: ولا يجوز النصب إذ لا تضمر "أن" بعد "ثم"، وأجازه ابن مالك بإعطاء "ثم" حكم الواو، وتعقبه النووي بأن ذلك يقتضي أن يكون المنهي عنه الجمع بين الأمرين دون إفراد أحدهما، وضعفه ابن دقيق العيد، بأنه لا يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة لفظ واحد، فيؤخذ النهي عن الجمع بينهما من هذا الحديث إن ثبتت رواية النصب، ويؤخذ النهي عن الإفراد من حديث آخر، قال الحافظ: وهو ما رواه مسلم من حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه نهى عن البول في الماء الراكد" وعنده من طريق أبي السائب، عن أبي هريرة بلفظ "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" وروى أبو داود النهي عنهما في حديث واحد، ولفظه "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة" اهـ فتح جـ ١/ ص ٤١٣ - ٤١٤. قال في المنهل جـ ١/ ص ٢٤٤ ما حاصله، وقد أجاب عن ابن مالك أيضا ابن هشام بأنه إنما أراد إعطاء "ثُمَّ" حكم الواو في النصب، لا في المعية، وأيضا فإن ما أورده النووي إنما جاء من قبيل المفهوم لا المنطوق، وقد قام دليل آخر على عدم إرادته، ثم ذكر نحو ما تقدم عن ابن دقيق العيد وكلام الحافظ.
قال: والحاصل: أنه قد ورد النهي عن كل منهما على انفراده، وهو يستلزم النهي عن فعلهما جميعا بالأولى، وقد ورد النهي عن الجمع بينهما، كما في رواية أبي داود المتقدمة، وكذا في هذه إن صحت الرواية بالنصب، ويكون دالا على النهي عن كل واحد على رواية الجزم، أما على رواية الرفع فيكون المنهي عنه البول في الماء لما يترتب عليه من نجاسته أو النفرة منه، فلا يغتسل منه عند الحاجة إليه، وتقدم هذا في حديث "لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه" اهـ المنهل بتصرف.