ثم الصحابة اختلفوا في هذا المقام كما ترى، فأبو هريرة وغيره يقيمون الأحاديث على ظاهرها، فيوجبون على المأموم قراءة الفاتحة في الجهر والسرّ على السواء، وأن يقرأ في نفسه، وجابر بن عبد الله يذهب إلى أن المأموم ليس عليه قراءة، فكأنه يتأول الحديث، كما قال الترمذي.
والواجب في مثل هذا المقام، إذا تعارضت الأدلة الرجوع إلى القواعد الصحيحة السليمة في الجمع بينهما، إذا لم نعرف الناسخ منها من المنسوخ، كما هنا، فإنه لا دليل في شيء منها على أن بعضها ناسخ لبعض، وإن زعم الحازمي في "الاعتبار" ص ٧٢ - ٧٥ أن أحاديث الوجوب ناسخة لأحاديث النهي عن القراءة خلف الإمام، وليس له على ذلك دليل.
أما نحن فإنا نذهب إلى أنه ليس شيء منها منسوخًا، ونذهب إلى الجمع بينها مع الترجيح.
أما الآية فإنها عامة تشمل المصلي وغيره، وأحاديث وجوب القراءة عامة أيضًا تشمل الإمام والأموم والمنفرد، وحديث "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة" خاص بالمأموم، ولكنه عام في قراءة أي شيء من القرآن؛ الفاتحة، أو غيرها، وليس إسناده مما يحتج به أهل العلم بالحديث، فلو كان هذا الحديث صحيحًا، ولم يأت معارض له أقوى