وأما الخطبة، فمحل نظر، إذ ما ادعاه من الإجماع على وجوب الاستماع غير صحيح، بل الخلاف فيه موجود، كما سيأتي في محله، إن شاء الله تعالى.
وحاصله أنه لا يجب استماع قراءة القارئ في غير الصلاة، ويدل على ذلك ما أخرجه أبو داود جـ ٢ ص ٣٨، والمصنف في "فضائل القرآن" من "الكبرى" جـ ٥ ص ٣٢، بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر، وقال:"ألا إن كلكم مُناجٍ ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة".
فهذا الحديث دليل على أنه لا يجب الاستماع لقراءة القارئ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أقرّ الصحابة على قراءة كل واحد لنفسه، وعدم استماع بعضهم لبعض، وإنما أنكر عليهم رفع الصوت المؤدي لتشويش بعضهم على بعض، فصح تخصيص الآية بحالة الصلاة بحديث:"وإذا قرأ فأنصتوا"، وبقي ما عداها على الاستحباب.
لكن لابد من تقييد ذلك بالنسبة للمأموم بما عدا فاتحة الكتاب، جمعًا بين الأدلة، حيث صحت الأخبار بوجوبها عليه كما تقدم تحقيقه، فتبصر بإنصاف، ولا تتحير بالاعتساف. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.