أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قرب، وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في السهو. "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون".
والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسِخ تلاوته، وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى. {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: ٦ - ٧].
قال: فأما القسم الأول، فعارض سريع الزوال، لظاهر قوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩]. وأما الثاني فداخل في قول تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا}[البقرة: ١٠٦] على قراءة من قرأ بضم أوله من غير همز. انتهى من الفتح بتصرف (١).
قال الجامع عفا الله عنه: الذي تفيده الأدلة الصحيحة أنه - صلى الله عليه وسلم - ينسى كما ينسى سائر البشر، لكن ذلك بعد تبليغه للناس، وحفظهم له، أما قبل التمليغ فلا؛ لأن الله تعالى تكفل بحفظه، حيث قال:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩]، فلو نسيه قبل التبليغ لما تمكن من تبليغه، فلا يكون محفوظًا، وقد أخبر الله تعالى بأنه حافظ له. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب.