للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ففد أخرج الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكت في قلبه نُكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صُقِّلَ قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تَعْلو قلبه، وهو الرَّان الذي قال الله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: ١٤] قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وأخرج مسلم في صحيحه عن الأغر المزني: قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنه ليُغَان على قلبي حتى استغفر الله في اليوم مائة مرة" وفي رواية "توبوا إلى ربكم فوالله إني أتوب إلى ربي عز وجل مائة مرة في اليوم".

واختلف العلماء في المراد بالغَيْن المذكور: فقيل: هو من المتشابه، فقد سئل عنه الأصمعي فقال: لو كان قلب غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، لتكلمت عليه، ولكن العرب تزعم أن الغَيْن الغَيْم الرقيق. وقيل: سبب الغين هو ما أطلعه الله عليه من أحوال أمته بعده، فأحزنه ذلك حتى يستغفر لهم.

وقيل: إنه لما كان يشغله النظر في أمور المسلمين ومصالحهم حتى يرى أنه قد شغل بذلك، وإن كان من أعظم طاعة وأشرف عبادة عن أرفع مقام مما هو فيه وهو التفرد بربه عز وجل، وصفاء وقته معه، وخلوص همه من كل شيء سواه، فلهذا السبب كان - صلى الله عليه وسلم - يستغفر الله فإن حسنات الأبرار سيآت المقربين، وقيل: هو مأخوذ من الغين، وهو الغيم الرقيق الذي يغشى السماء فكأن هذا الشغل، والهم يغشى قلبه - صلى الله عليه وسلم -، ويغطيه فكان يستغفر الله منه.

وقيل: هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه - صلى الله عليه وسلم -، وكأن سبب استغفاره لها إظهار العبودية، والافتقار إلى الله تعالى، وحكى الشيخ محيي الدين النووي عن القاضي عباض أن المراد به الفَتَرَات، والغفلات من الذكر الذي كان شأنه - صلى الله عليه وسلم - الدوام عليه فإذا فتر وغفل عَدَّ ذلك ذنبا،