للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحاصل أن لفظ "أَذِنَ" بفتحة، ثم كسرة في الماضي، من باب تَعِب: مشترك بين الإطلاق والاستماع، تقول: أذنت آذَنُ بالمدّ، فإن أردت الإطلاق، فالمصدر بكسرة، ثم سكون، وإن أردت الاستماع فالمصدر بفتحتين، قال عديّ بن زيد: [من الرمل]:

أَيها الْقَلْبُ تَعَلَّلْ بِدَدَن (١) … إِنَّ هَمِّي فِي سَمَاعِ وَأَذَنْ

أي في سماع، واستماع.

وقال القرطبي: أصل الأَذَنِ -بفتحتين- أن المستمع يميل بأذنه إلى جهة من يسمعه، وهذا المعنى في حق الله تعالى لا يراد به ظاهره، وإنما هو على سبيل التوسع على ما جرى به عرف المخاطب، والمراد به في حق الله تعالى إكرام القارئ، وإجزال ثوابه، لأن ذلك ثمرة الإصغاء. انتهى (٢)

[قال الجامع عفا الله عنه]: هذا الذي قاله القرطبي في المعنى المراد بالأذَن هنا أنه بمعنى الإكرام، وإجزال الثواب أراد به أن الكلام من باب المجاز، لا من باب الحقيقة، وهذا غير صحيح؛ لأنه يستلزم عدم إثبات صفة الأَذَن لله سبحانه وتعالى وقد أثبتها له هذا النص الصحيح، فالصواب إثباتها على حقيقتها اللائقة بجلاله سبحانه وتعالى، ولا يلزم من ذلك تشبيهه بمخلوقاته؛ لأن صفاته سبحانه وتعالى لا تشبه صفات المخلوق، فلو لزم من إثباتها التشبيه للزم أيضًا في الإكرام، وإجزال المثوبة، اللذين أوّل بهما القرطبي؛ لأنهما يوصف بهما المخلوق أيضًا، فيقال: إن فلانا لما استحسن قراءة فلان أكرمه، وأجزل له العطاء، ونحو ذلك.

والحاصل أن إثبات الصفات الواردة في القرآن، والأحاديث الصحيحة بمعناها الحقيقي، لا المجازي، على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى هو الحق الذي كان عليه سلف هذه الأمة، الذين أثنى عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "خير القرون قرني" … الحديث. والله تعالى أعلم، وهو الهادي إلى الطريق الأقوم.

(يجهر به) جملة فعلية في محل نصب على الحال أيضًا، فتكون الحالان إما متداخلتين، أو مترادفتين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:


(١) الددن بفتحتين: اللَّهو واللعب.
(٢) "فتح" جـ ١٠ ص ٨٤ - ٨٥.