للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كتاب الله، وسنتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض". (١)

فلا يجوز التفريق بين ما جمع الله بينهما، ويرد أحدهما بالآخر، بل سكوته عما نطق به، ولا يمكن أحدا يطرد ذلك، ولا الذين أصلوا هذا الأصل، بل قد نقضوه في أكثر من ثلاثمائة موضع، منها ما هو مُجمَع عليه، ومنها ما هو مختلف فيه.

مبحث مهم في بيان أوجه السنة مع القرآن:

قال رحمه الله تعالى: والسنة مع القرآن على ثلاثة أوجه:

(أحدها): أن تكون موافقة له من كل وجه، فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة، وتضافرها.

(الثاني): أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن، وتفسيرا له.

(الثالث): أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه، أو محرَّمةً لما سكت عن تحريمه، ولا تخرج عن هذه الأقسام.

فلا تُعارض القرآن بوجه ما، فما كان منها زائدا على القرآن، فهو تشريع مبتدَأ من النبي - صلى الله عليه وسلم - تجب طاعته فيه، ولا تحل معصيته، وليس هذا تقديما لها على كتاب الله، بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يطاع في هذا القسم، لم تكن لطاعته معنى، وسقطت طاعته المختصة به، وإنه إذا لم تجب إلا فيما وافق القرآن، لا فيما زاد عليه، لم يكن له طاعة خاصة تختص به، وقال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠].

وكيف يمكن أحدا من أهل العلم أن لا يقبل حديثا زائدا على كتاب الله؟، فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها، وعلى خالتها، ولا حديث التحريم بالرضاعة لكل ما يحرم من النسب، ولا حديث خيار الشرط، ولا أحاديث الشفعة، ولا أحاديث الرهن في الحضر، مع أنه زائد على ما في القرآن، ولا حديث ميراث الجدة، ولا حديث تخيير الأمة إذا عتقت تحت زوجها، ولا حديث منع الحائض من الصوم والصلاة، ولا حديث وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان، ولا أحاديث إحداد المتوفى عنها زوجها مع زيادتها على ما في القرآن من العدة.

فهلاّ قلتم: إنها نسخ للقرآن، وهو لا يُنسَخ بالسنة، وكيف أوجبتم الوتر، مع أنه زيادة محضة على القرآن بخبر مختلف فيه؟. وكيف زدتم على كتاب الله، فجوزتم الوضوء بنبيذ التمر بخبر ضعيف؟. وكيف زدتم على كتاب الله، فشرطتم في الصداق


(١) حديث صحيح، أخرجه الحاكم في "مستدركه" جـ ١ ص ٩٣.