للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لنا ردّ كل سنة زائدة كانت (١) على نص القرآن لبطلت سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها إلا سنة دلّ عليها القرآن، وهذا هو الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه سيقع، ولابد متن وقوع خبره.

[فإن قيل]: السنن الزائدة على ما دلّ عليه القرآن تارة تكون بيانا له، وتارة تكون مُنشِئة لحكم لم يتعرض القرآن له، وتارة تكون مغيرة لحكمه، وليس نزاعنا في القسمين الأولين، فإنهما حجة باتفاق، ولكن النزاع في القسم الثالث، وهو الذي ترجمته بـ"مسألة

الزيادة على النص".

وقد ذهب الشيخ أبو الحسن الكرخي، وجماعة كثيرة من أصحاب أبي حنيفة إلى أنها نسخ، ومن ها هنا جعلوا إيجاب التغريب مع الجلد نسخا، كما لو زاد عشرين سوطا على الثمانين في حد القذف.

وذهب أبو بكر الرازي إلى أن الزيادة إن وردت بعد استقرار حكم النص منفردة عنه، كانت ناسخة، وإن وردت متصلة بالنص قبل استقرار حكمه لم تكن ناسخة، وإن وردت، ولا يعلم تاريخها، فإن وردت من جهة يثبت النص بمثلها، فإن شهدت الأصول من عمل السلف، أو النظر على ثبوتهما معا أثبتناهما، وإن شهدت بالنص منفردا عنها أثبتناه دونها، وإن لم يكن في الأصول دلاله على أحدهما، فالوأجب أن يحكم بورودهما معا، ويكونان بمنزلة الخاص والعام، وإذا لم يعلم تاريخهما، ولم يكن في الأصول دلالة على وجوب القضاء بأحدهما على الآخر، فإنهما يستعملان معًا، وإن كان ورود النص من جهة توجب العلم كالكتاب والخبر المستفيض، وورود الزيادة من جهة أخبار الآحاد لم يجز إلحاقها بالنص، ولا العمل بها.

وذهب أصحابنا -يعني الحنابلة- إلى أن الزيادة إن غيرت حكم المزيد عليه تغييرا شرعيا بحيث إنه لو فعل على حدِّ ما كان يفعل قبلها لم يكن معتدا به، بل يجب استئنافه كان نسخا، نحو ضم ركعة إلى ركعتي الفجر، وإن لم يغير حكم المزيد عليه بحيث لو فعل على حدَّ ما كان يفعل قبلها كان معتدا به، ولا يجب استئنافه لم يكن نسخا، ولم يجعلوا إيجاب التغيير مع الجلد نسخا، وإيجاب عشرين جلدة مع الثمانين نسخا، وكذلك إيجاب شرط منفصل عن العبادة لا يكون نسخا، كإيجاب الوضوء بعد فرض الصلاة، ولم يختلفوا أن إيجاب زيادة عبادة على عبادة، كإيجاب الزكاة بعد إيجاب الصلاة لا يكون نسخا، ولم يختلفوا أيضا أن إيجاب صلاة سادسة على الصلوات الخمس لا يكون نسخا.


(١) هكذا نسخة الأصل، ولعل الصواب إسقاط لفظة "كانت". والله تعالى أعلم.