للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمقصود أن هذه الزيادة لو كانت ثابتة مع النص لذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب التلاوة، ولنقلها إلينا من نقل المزيد عليه، إذ غير جائز عليهم أن يعلموا أن الحد مجموع الأمرين، وينقلوا بعضه، دون بعض، وقد سمعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يذكر الأمرين، فامتنع حينئذ العمل بالزيادة إلا من الجهة التي ورد منها الأصل، فإذا وردت من جهة الآحاد، فإن كانت قبل النص، فقد نسخها النص المطلق عاريا من ذكرها، وإن كانت بعده، فهذا يوجب نسخ الآية بخبر الواحد، وهو ممتنع، فإن كان المزيد عليه ثابتا بخبر الواحد جاز إلحاق الزيادة بخبر الواحد على الوجه الذي يجوز نسخه به، فإن كانت واردة مع النص في خطاب واحد لم تكن نسخا، وكانت بيانا.

فالجواب من وجوه:

(أحدها): أنكم أول من نقض هذا الأصل الذي أصلتموه، فإنكم قبلتم خبر الوضوء بنبيذ التمر، وهو زائد على ما في كتاب الله، مغير لحكمه، فإن الله سبحانه وتعالى جعل حكم عادم الماء التيمم، والخبر يقتضي أن يكون حكمه الوضوء بالنبيذ، فهذه الزيادة بهذا الخبر الذي لا يثبت رافعة لحكم شرعي، غير مقارنة له، ولا مقاومة بوجه.

وقبلتم خبر الأمر بالوتر مع رفعه لحكم شرعي، وهو اعتقاد كون الصلوات الخمس هي جميع الواجب، ورفع التأثيم بالاقتصار عليها، وإجزاء الإتيان في التعبد بفريضة الصلاة، والذي قال هذه الزيادةَ هو الذي قال سائرَ الأحاديث الزائدة على ما في القرآن،

والذي نقلها إلينا هو الذي نقل تلك بعينه، أو أوثق منه، أو نظيره، والذي فرض علينا طاعة رسوله، وقبول قوله في تلك الزيادة هو الذي فرض علينا طاعته، وقبول قوله في هذه، والذي قال لنا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: ٧]، هو الذي شرع لنا هذه

الزيادة على لسانه، والله عزّ وجل ولّاه منصب التشريع عنه ابتداء، كما ولاه منصب البيان لِما أراده بكلامه، بل كلامه كله بيان عن الله، والزيادة بجميع وجوهها لا تخرج عن البيان بوجه من الوجوه، بل كان السلف الصالح الطيب إذا سمعوا الحديث عنه وجدوا تصديقه في القرآن، ولم يقل أحد منهم قط في حديث واحد أبدًا؛ إن هذا زيادة على القرآن، فلا نقبله، ولا نسمعه، ولا نعمل به.

ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجلُّ في صدورهم، وسنته أعظم عندهم من ذلك وأكبر، ولا فرق أصلا بين مجيء السنة بعدد الطواف، وعدد ركعات الصلاة، ومجيئها بفرض الطمأنينة، وتعين الفاتحة والنية، فإن الجميع بيان لمراد الله أنه أوجب هذه العبادة على عباده على الوجه هذا.

فهذا هو الوجه المراد، فجاءت السنة بيانا للمراد في جميع وجوهها، حتى في التشريع