المبتدإ، فإنها بيان لمراد الله من عموم الأمر بطاعته، وطاعة رسول - صلى الله عليه وسلم -، فلا فرق بين بيان هذا المراد، وبين بيان المراد من الصلاة والزكاة والحج والطواف وغيرها، بل هذا بيان المراد من شيء، وذاك بيان المراد من أعم منه.
فالتغريب بيان محض للمراد من قوله:{أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}[النساء: ١٥]، وقد صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن التغريب بيان لهذا السبيل المذكور في القرآن، فكيف يجوز رده بأنه مخالف للقرآن معارض له.
ويقال: لو قلبناه لأبطلنا به حكم القرآن، وهل هذا إلا قلب للحقائق، فإن حكم القرآن العام والخاص يوجب علينا قبوله فرضا، لا يسعنا مخالفته، فلو خالفناه لخالفنا القرآن، ولخرجنا عن حكمه ولابد، ولكان في ذلك مخالفة للقرآن والحديث معًا.
يوضحه (الوجه الثاني): أن الله تعالى نصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منصب المبلغ المبين عنه، فكل ما شرعه للأمة فهو بيان منه عن الله أن هذا شرعه ودينه، ولا فرق بين ما يبلغه عنه من كلامه المتلوّ، ومن وحيه الذي هو نظير كلامه في وجوب الاتباع، ومخالفة هذا كمخالفة هذا.
يوضحه (الثالث): أن الله تعالى أمرنا بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان، وجاء البيان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمقادير ذلك، وصفاته، وشروطه، فوجب على الأمة قبوله، إذ هو تفصيل لما أمر الله به، كما يجب علينا قبول الأصل المفصل، وهكذا أمر الله تعالى بطاعته، وطاعة رسوله، فإذا أمر الرسول بأمر كان تفصيلا، وبيانا للطاعة المأمور بها، وكان فوض قبوله كفرض قبول الأصل المفصل، ولا فرق بينهما.
يوضحه (الوجه الرابع): أن البيان من النبي - صلى الله عليه وسلم - أقسام:
(أحدها): بيان نفس الوحي بظهوره على لسانه بعد أن كان خفيا.
(الثاني): بيان معناه وتفسيره لمن احتاج إلى ذلك، كما بين أن الظلم المذكور في قوله:{وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}[الأنعام: ٨٢] هو الشرك، وأن الحساب اليسير هو العرض، وأن الخيط الأبيض والأسود هما بياض النهار، وسواد الليل، وأن الذي رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى هو جبريل، كما فسر قوله:{أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}[الأنعام: ١٥٨] أنه طلوع الشمس من مغربها، وكما فسر قوله:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً}[إبراهيم: ٢٤] بأنها النخلة، وكما فسر قوله:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}[إبراهيم: ٢٧] أن ذلك في القبر حين يسأل مَنْ ربك؟، وما دينك؟. وكما فسر الرعد بأنه ملك من الملائكة