بأن الإجماع ألجأكم إلى ذلك لا يفيد؛ لأن عثمان الْبَتِّي، وهو من فقهاء التابعين يرى أن الدية على القاتل، وليس على العاقلة منها شيء، ثم هذا حجة عليكم أن تجُمِعَ الأمةُ على الأخذ بالخبر، وإن كان زائدا على القرآن.
(الوجه السادس والثلاثون): إنكم رددتم السنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اشتراط المحرم أن يحل حيث حبس، وقلتم: هو زائد على القرآن، فإن الله أمر بإتمام الحج والعمرة، والإحلال خلاف الإتمام، ثم أخذتم، وأصبتم بحديث تحريم لبن الفحل، وهو زائد على ما في القرآن قطعا.
(الوجه السابع والثلاثون): ردكم السنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالوضوء من مس الفرج، وأكل لحوم الإبل، وقلتم: ذلك زيادة على القرآن؛ لأن الله تعالى إنما ذكر الغائط، ثم أخذتم بحديث ضعيف في إيجاب الوضوء من القهقهة، وخبر ضعيف في إيجابه من القيء، ولم يكن ذاك زائدا على ما في القرآن، إذ هو قول متبوعكم.
فمن العجب إذا قال من قلدتموه قولًا زائدا على ما في القرآن قبلتموه، وقلتم: ما قاله إلا بدليل، وسهل عليكم مخالفة ظاهر القرآن حينئذ، وإذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولا زائدا على ما في القرآن قلتم. هذا زيادة على النص، وهو نسخ، والقرآن لا ينسخ بالسنة، فلم تأخذوا به، واستعصيتم خلاف ظاهر القرآن، فهان خلافه إذا وافق قول من قلدتموه، وصعب خلافه إذا وافق قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!.
(الوجه الثامن والثلاثون): إنكم أخذتم بخبر ضعيف، لا يثبت في إيجاب المضمضة والاستنشاق في الغسل من الجنابة، ولم تروه زائدًا على القرآن، ورددتم السنة الصحيحة الصريحة في أمر المتوضىء بالاستنشاق، وقلتم: هو زائد على القرآن، فهاتوا لنا الفرق بين ما يقبل من السنن الصحيحة، وما يرد منها، فإما أن تقبلوها كلها، وإن زادت على ما القرآن، وإما أن تردوها كلها، إذا كانت زائدة على ما في القرآن، وأما التحكم في قبول ما شئتم منها، ورد ما شئتم منها، فمما لم يأذن به الله، ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ونحن نشْهِدُ اللهَ شهادة يسألنا عنها يوم نلقاه أنا لا نرد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة واحدة صحيحة أبدا، إلا بسنة صحيحة مثلها، نعلم أنها ناسخة لها.
(الوجه التاسع والثلاثون): إنكم رددتم السنة الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القسم للبكر سبعا، يفضلها بها على من عنده من النساء، وللثيب ثلاثا، إذا أعرس بهما، وقلتم؛ هذا زائد على العدل المأمور به في القرآن، ومخالف له، فلو قبلنا كنا قد نسخنا به القرآن، ثم أخذتم بقياس فاسد واهٍ، لا يصح في جواز نكاح الأمة لواجد الطَّوْل غير خائف العَنَت، وإذا لم تكن تحته حرة، وهو خلاف ظاهر القرآن، وزائد عليه قطعا.