للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بخلافه. وهذا السعدي مجهول، لا يعرف عينه، ولا حاله. وقد قال أنس - رضي الله عنه -: إن عمر بن عبد العزيز كان أشبه الناس صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان مقدار ركوعه، وسجوده عشر تسبيحات، وأنس أعلم بذلك من السعديّ، عن أبيه، أو عمه، لو ثبت، فأين علم من صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين كوامل إلى علم من لم يصل معه إلا تلك الصلاة الواحدة، أو صلوات يسيرة، فإن عم هذا السعدي، أو أباه ليس من مشاهير الصحابة المداومين الملازمين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كملازمة أنس، والبراء بن عازب، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وغيرهم ممن ذكر صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدرها، وكيف يقوم - صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع حتى يقولوا: قد

نسي، ويسبح فيه ثلاث تسبيحات، فيجعل القيام منه بقدره أضعافا مضاعفة، وكذلك جلوسه بين السجدتين، حتى يقولوا: قد أوهم، ولا ريب أن ركوعه، وسجوده كانا نحوا من قيامه بعد الركوع، وجلوسه بين السجدتين، حتى تَكرَهُوا إطالتهما، ويغلو من يغلوا منكم، فيبطل الصلاة بإطالتهما، وقد شهد البراء بن عازب - رضي الله عنهما - أن ركوعه، وسجوده كانا نحوا من قيامه، ومحال أن يكون مقدار ذلك ثلاث تسبيحات، ولعله خفف مرة لعارض، فشهده عم السعدي، أو أبوه، فأخبر به. وقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن طول صلاة الرجل من فقهه، وهذا الحكم أولى من الحكم بقلة الفقه، فحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الحكم الحق، وما خالفه فهو الحكم الباطل الجائر. انتهى (١).

وقال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى عند شرح قوله: "وذلك أدناه الخ: أي أدنَى الكمال، وفيه إشعار بأنه لا يكون المصلي متسننا بدون الثلاث. وقد قال الماوردي: إن الكمال إحدى عشرة، أو تسع، وأوسطه خمس، ولو سبح مرة حصل التسبيح. وروى الترمذي عن ابن المبارك، وإسحاق بن راهويه أنه يستحب خمس تسبيحات للإمام، وبه قال الثوري.

ولا دليل على تقييد الكمال بعدد بمعلوم، بل ينبغي الاستكثار من التسبيح على مقدار تطويل الصلاة من غير تقييد بعدد، وأما إيجاب سجود السهو فيما زاد على التسع، واستحباب أن يكون عدد التسبيح وترًا، لا شفعًا فيما زاد على الثلاث، فمما لا دليل عليه. انتهى كلام الشوكاني -رحمه الله- تعالى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: الحاصل أن تقييد تسبيح الركوع والسجود بعدد معين لم


(١) انظر "المنهل العذب المورود" جـ ٥ ص ٣٣٣.
(٢) "نيل الأوطار" جـ ٢ ص ٢٨٧.