للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عن الإمام أحمد -رحمه الله-، وغيره.

ثم ذلك الإدراك يجوز أن يكون برؤية عينه انخرقت له العادة فيه أيضًا، فكان يرى بها من غير مقابلة؛ لأن الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها عقلا عضو مخصوص، ولا مقابلة، ولا قرب، وإنما تلك أمور عادية يجوز حصول الإدراك مع عدمها عقلا، ولذلك حكموا بجواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة، خلافا لأهل البدع، لوقوفهم مع العادة.

وقيل: كانت له عين خلف ظهره، يرى بها من وراءه دائما. وقيل: كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياط، يبصر بهما، لا يحجبهما ثوب، ولا غيره.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا القول، والذي قبله مما لا ينبغي أن يلُتْفَتَ إليه، حيث لم يكن عليه بينة، ولا أثارة من علم. والله تعالى أعلم.

وقيل: كانت صورهم تنطبع في حائط قبلته كما تنبطع في المرآة، فيرى أمثلتهم فيها، فيشاهد أفعالهم. انتهى (١)

[قال الجامع]: هذا القول أيضا ليس عليه برهان، فالحق أن الحديث على ظاهره، كما تقدم عن الحافظ رحمه الله تعالى، وأما معرفة كيفية رؤيته - صلى الله عليه وسلم -، هل هي بنفس باصرته الأمامية، أو بشيء آخر نوعه كذا وكذا فتكلف بارد، لا برهان لهم به. {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: ٦٤].

وَالدَّعَاوِي مَا لَمْ تُقِيمُوا عَلَيهَا … بِيِّنَاتِ أَبنَاؤُها أَدْعِيَاءُ

وأغرب من هذا كله، ما نقل عن الداودي أنه حمل البعدية هنا على ما بعد الوفاة؛ يعني أن أعمال الأمة تعرض عليه، وكأنه لم يتأمل سياق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، حيث بين فيه سبب هذه المقالة. والله سبحانه وتعالى أعلم (٢).

وظاهر الحديث أن ذلك يختص بحالة الصلاة، ويحتمل أن يكون ذلك واقعا في جميع أحواله، وقد نقل ذلك عن مجاهد. وحكى بقي بن مخلد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يبصر في الظلمة، كما يبصر في الضوء (٣).

[فائدة]: سئل عن الحكمة في تحذيرهم من النقص في الصلاة برؤيته إياهم، دون تحذيرهم برؤية الله تعالى لهم، وهو مقام الإحسان المبين في سؤال جبريل - عليه السلام - "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك".


(١) "فتح" جـ ٢ ص ٧٥ - ٧٦.
(٢) "فتح" جـ ٢ ص ٤٦٦.
(٣) جـ ٢ ص ٧٥ - ٧٧.