قال الجامع عفا الله عنه: نصب "ملء" على أنه صفة لمصدر محذوف، أي حمدا ملء، أو مفعول لفعل محذوف، أي أعني، ورفعه على أنه صفة لـ"الحمدُ"، أو خبر لمحذوف، أي هو. و"الملء" بالكسر ما يأخذه الإناء إذا امتلأ.
وقال الخطابي -رحمه الله-: هو تمثيل، وتقريب، والمراد تكثير العدد، حتى لو قدر ذلك أجسامّا ملأ ذلك، وقال غيره: المراد بذلك التعظيم، كما يقال هذا الكلمة تملأ طباق الأرضء وقيل: المراد بذلك أجرها وثوابها. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي الأولى إبقاء لفظ الحديث على ظاهره، وما المانع أن يكون الحمد شيئا يملأ السموات والأرض، وقد ثبت بالنصوص الكثيرة أن الأعمال توزن يوم القيامة، ومعلوم أنه لا يوزن إلا ما كان شيئا محسوسا، فلا داعي إلى هذه التكلفات التي ذكروها. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(وملء ما شئت من شيء بعد)"ملء" عطف على الأول، ومضاف إلى "ما" الموصولة، و"شئت" صلتها، و"من شيء" بيان لـ"ما" و"بعد" من الظروف المبنية لقطعه عن الإضافة، ونية معناها، وبني على الضم لشبهه بأحرف الغاية، كـ"حيث"، و"منذ"، قال في "الخلاصة":
والمضاف المقدر هنا "السموات، والأرض"، والظرف متعلق بمحذوف صفة لـ"شيء". والمراد بقوله:"من شيء": العرش، والكرسي، ونحوهما، مما في مقدور الله سبحانه وتعالى.
[تنبيه]: ثبت في رواية مسلم لهذا الحديث من طريق هشيم بن بشير، عن هشام بن حسان، زيادة، بعد قوله:"وملء ما شئت من شيء بعدُ"، ولفظها:"أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد، منك الجد". وسيأتي تمام شرحها في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - الآتي قريبا، إن شاء الله سبحانه وتعالى. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هذا أخرجه مسلم.