أو منصوب على المدح، أي أمدح أهلَ الثناء. وجوز بعضهم رفعه على أنه خبر لمحذوف، أي أنت أهل الثناء، والنصب هو المشهور، كما قال النووي رحمه الله تعالى.
قال الفيومي -رحمه الله-: "الثناء" بالفتح والمد، يقال: أثنيت عليه خيرا، وبخير، وأثنيت عليه شرّا، وبشر، لأنه بمعنى وصفته، هكذا نص عليه جماعة: منهم صاحب "الْمُحكَم"، وكذلك صاحب "البارع"، وعزاه إلى الخليل، ومنهم محمد بن الْقُوطِيْة، وهو الحبر الذي ليس في منقوله غَمْزٌ، والبحر الذي ليس في منقوده لَمْز، وكأن الشاعر (١) عَنَاه بقوله: [من الوافر]:
وقد قيل فيه: هو العالم النِّحْرير، ذو الإتقان والتحرير والحجة لمن بعده، والبرهانُ الذي يُوقف عنده، وتبعه على ذلك مَن عُرِف بالعدالة، واشتهر بالضبط، وصحة المقالة، وهو السَّرَقُسْطِيُّ، وابنُ الْقَطَّاع، واقتصر جماعة على قولهم: أثنيت عليه بخير، ولم ينفوا غيره، ومن هذا اجترأ بعضهم، فقال: لا يستعمل إلا في الْحَسَنِ، وفيه نظر، لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدلّ على نفيه عما عداه، والزيادة من الثقة مقبولة، ولو كان الثناء لا يستعمل إلا في الخير كان قول القائل: أثنيت على زيد كافيا في المدح، وكان قوله:"وله الثناء الحسن" لا يفيد إلا التأكيد، والتأسيسُ أولى، فكان في قوله:"الحسن" احتراز عن غير الحسن، فإنه يستعمل في النوعين، كما قال:"والخير في يديك، والشر ليس إليك"، وفي "الصحيحين": "مَرُّوا بجنازة، فأثنوا عليها خيرا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "وجبت"، ثم مَرُّوا بأخرى، فأثنوا عليها شرًّا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "وجبت"، وسئل عن قوله: "وجبت" فقال: "هذا أثنيتم عليه خيرا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرّا، فوجبت له النار". . . الحديث. وقد نقل النوعان في واقعتين، تراخت إحداهما عن الأخرى من العدل الضابط، عن العدل الضابط، عن العرب الفُصَحَاء، عن أفصح العرب، فكان أوثق من نقل أهل اللغة، فإنهم قد يكتفون بالنقل عن واحد، ولا يُعْرَف حاله، فإنه قد يَعرِض له ما يخرجه عن حَيِّز الاعتدال، من دَهْش، وسُكْر، وغير ذلك،
(١) هو لُجَيم بن صَعْب، والد حَنِيفَة، وعِجْل، وكانت حذام امرأته. انتهى "مجمع الأمثال" للميداني: المثل رقم ٢٨٩٠.