للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وعلى الرواية المعروفة تقديره: أحق ما قال العبد لا مانع لما أعطيت الخ. واعترض بينهما "وكلنا لك عبد"، ومثلُ هذا الاعتراض في "القرآن" قولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: ١٧ - ١٨] اعترض قوله تعالى: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}. ومثله قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦)} [الواقعة:٧٦] اعترض {لَوْ تَعْلَمُونَ}. ومثله قوله تعالى: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} [آل عمران: ٣٦] اعترض قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} على قراءة من قرأ "وضعت" بفتح العين، وإسكان التاء، ونظائره كثيرة، ومما جاء منه في شعر العرب: قول الشاعر: [من الوافر]

أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمِي … بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادِ

فاعترض قوله: "والأنباء تنمي". وقولُ امرى القيس: [من الطويل]

أَلَا هَلْ أَتَاهَا وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ … بِأَنَّ امْرَأَ الْقَيْسِ بْنِ تَمْلِكَ بَيْقَرَا (١)

فاعترض قوله: "والحوادث جمة". وقال الآخر: [من الطويل]

إِلَيْكَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ كَانَ كَلَالُهَا … إِلَى الْمَاجِدِ الْقَزْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ

فاعترض قوله: "أبيت اللعن". وإنما يعترض ما يعترض من هذا الباب للاهتمام به، وارتباطه بالكلام السابق، وتقديره هنا: أحق قول العبد: لا مانع لما أعطيت، وكلنا لك عبد، فينبغي لنا أن ن قوله.

وفي هذا الكلام دليل ظاهر على فضيلة هذا اللفظ، فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى أن هذا أحق ما قاله العبد، فينبغي أن نُحَافِظ عليه، لأن كلنا عبد، ولا نهمله، وإنما كان أحق ما قاله العبد، لما فيه من التفويض إلى الله تعالى، والإذعانِ له، والاعتراف بوحدانيته، والتصريح بأنه لا حول ولا قوة إلا به، وأن الخير والشرّ منه، والحث على الزهادة في الدنيا، والإقبال على الأعمال الصالحة. انتهى كلام النووي رحمه الله تعالى (٢).

(لا مانع) وفي نسخة: "لا نازع"، وهو الذي في "الكبرى". ولفظ مسلم من طريق مروان بن محمد، عن سعيد: "اللَّهم لا مانع دمًا أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا


(١) بيقر الرجلُ: هاجر من أرض إلى أرض، أو خرج إلى حيث لا يدري، وله معان أخر، راجع "لسان العرب" في مادة "بقر".
(٢) "شرح صحيح مسلم" جـ ٤ ص ١٩٤ - ١٩٦. ببعض زيادة من، شرح المهذب" جـ ١ ص ٤٧٥.