للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المتقدمون والمتأخرون، قال ابن عبد البر -رحمه الله-: ومنهم من رواه بالكسر، وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري -رحمه الله-: هو بالفتح، قال: وقاله الشيباني بالكسر، قال: وهذا خلاف ما عرفه أهل النقل، قال: ولا يعلم من قاله غيره، وضعف الطبري، ومن بعده الكسر (١)، قالوا: ومعناه على ضعفه: الاجتهاد، أي لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده، إنما ينفعه، وينجيه رحمتك. وقيل: المراد ذا الجد والسعي التامّ في الحرص على الدنيا. وقيل: معناه الإسراع في الهرب، أي لا ينفع ذا الإسراع في الهرب منك هربه، فإنه في قبضتك، وسلطانك. والصحيح المشهور الْجَدّ بالفتح، وهو الحظ والغنى والعظمة والسلطان، أي لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان منك حظه، أي لا ينجيه حظه منك، وإنما ينفعه، وينجيه العمل الصالح، كقوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ} الآية [الكهف: ٤٦] والله تعالى أعلم. انتهى كلام النووي رحمه الله تعالى (٢).

وقد اختلف في "مِنْ" من قوله "منك الجد"، فقال الزمخشري في "الفائق": بمعنى "بدل"، كما في قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ} الآية [الزخرف: ٦٠]، أي بدلكم، والمعنى: أن المحظوظ لا ينفعه حظه بَدَلَكَ، أي بدل طاعتك وعبادتك. وقال التوربشتي: أي لا ينفع ذا الغنى غناه عندك، وإنما ينفعه العمل بطاعتك، وعلى هذا فمعنى "منك" عندك، ويحتمل وجها آخر، أي لا يسلمه من عذابك غناه. وقال المظهري: أي لا يمنعه غناه من عذابك، إن شئت به عذابا. انتهى (٣).

[تنبيه]: روي سبب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" فيما أخرجه ابن ماجه رحمه الله تعالى بسنده عن أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال: ذكرت الجُدُود عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو في الصلاة، فقال رجل: جَدُّ فلان في الخيل، وقال آخر: جد فلان في الإبل، وقال آخر: جد فلان في الغنم، وقال آخر: جد فلان في الرقيق. فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته، ورفع رأسه من آخر الركعة، قال: "اللَّهم ربنا لك الحمد، ملْ السموات


(١) وقال غيره: المعنى الذي أشار إليه الشيباني صحيح، ومراده أن العمل لا ينجي صاحبه، وإنما النجاة بفضل الله ورحمته، كما جاء في حديث: "لن ينجي أحدا منكم عمله". اهـ "زهر الربى" ج ٢ ص ١٩٩ - ٢٠٠.
(٢) "شرح مسلم" جـ ٤ ص ١٩٦.
(٣) "عقود الزبرجد" جـ ٢ ص ١٧٨ - ١٧٩.