وخالفه الجمهور، فجوزوا ذلك، لهذا الحديث، وغيره من الأحاديث الصحيحة وهو المذهب الراجح. (ومنها): أن فيه الرد عليه أيضًا في منعه الدعاء بما ليس بلفظ القرآن من الدعاء في الصلاة، وخالفه غيره في ذلك، وهو الراجح. (ومنها): أن فيه جواز الدعاء على الكفار، ولعنهم، قال صاحب "المفهم": ولا خلاف في جواز لعن الكفرة، والدعاء عليهم، قال: واختلفوا في جواز الدعاء على أهل المعاصي، فأجازه قوم، ومنعه آخرون. قال ولي الدين -رحمه الله-: أما الدعاء على أهل المعاصي، ولعنهم من غير تعيين، فلا خلاف في جوازه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله السارق، يسرق البيضة". "لعن الله من غيّر منار الأرض"، ونحو ذلك، وأما مع التعيين فوقع كثيرا في الأحاديث، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهم لا تغفر لِمُحَلِّم بن جَثَّامَة"، ولهذا قال النوويّ رحمه الله في "الأذكار": إن ظواهر الأحاديث تدلّ على جواز لعن أهل المعاصي مع التعيين. انتهى (١).
[قال الجامع عفا الله تعالى عنه]: ما دلت عليه ظواهر النصوص هو الراجح عندي، وأما ما أشار إليه ولي الدين في كتابه "الطرح" من الخصوصية له - صلى الله عليه وسلم -، واستدل له بما ليس دليلا عليه، ففيه نظر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلافا أهل العلم في محل القنوت:
قال الإمام أبو بكر ابن المنذر رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم في القنوت قبل الركوع وبعده:
فممن رُوي عنه أنه قنت قبل أن يركع عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وابن عباس، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وحميد الطويل، وعَبِيدة السلماني، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، وكذلك إسحاق، وعامة من ذكرنا أنه رأى القنوت قبل الركوع، أو بعده، فإنما هو في صلاة الصبح.
قال: وقال أصحاب الرأي: بلغنا أنه قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ما فرغ من القراءة قبل أن يركع، وليس في الصلوات قنوت إلا الوتر.
وفيه قول ثان: وهو أن القنوت بعد الركوع، روي هذا القول عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وقال أنس بن مالك: كل ذلك كنا نفعل قبلُ، وبعدُ، وممن رأى أنه يقنت بعد الركوع أيوب السختياني، وأحمد بن حنبل، وروي هذا القول عن الحسن، والحكم، وحماد، وأبي إسحاق.