للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن المنذر -رحمه الله-: ثبتت الإخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قنت بعد الركوع في صلاة الصبح، وبه نقول، إذا نزلت نازلة، احتاج الناس من أجلها إلى القنوت، قنت إمامهم بعد الركوع. انتهى المقصود من كلام ابن المنذر رحمه الله تعالى (١).

وقال الحافظ ولي الدين العراقي رحمه الله تعالى: فيه -أي في حديث الباب- حجة لمن ذهب إلى أن محل القنوت بعد الركوع، وهو قوله الشافعي، وأحمد، وإسحاق، ورواية عن مالك. وقد ثبت أيضًا من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة، يقول: "اللَّهم العن فلانا" بعد ما يقول: "سمع الله لمن حمده، ربنا، ولك الحمد". . . الحديث، ولمسلم من حديث خُفاف بن إِيمَاء: ركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم رفع رأسه، فقال: "غفار غفر الله لها". . . الحديث. وهو في "الصحيحين" أيضًا من حديث أنس - رضي الله عنه -.

وذهب مالك في المشهور عنه إلى أن محله قبل الركوع، واستدلّ له بما رواه البخاري ومسلم من رواية عاصم، قال: سألت أنسا عن القنوت، أكان قبل الركوع، أم بعده؟ قال: قبله، قلت: فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت: بعده، قال: كذب، إنما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع شهرا.

وذهب جماعة إلى التخيير بين القنوت قبله، أو بعده، حكاه صاحب "المفهم" عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وجماعة من الصحابة، والتابعين. . انتهى كلام ولي الدين رحمه الله تعالى (٢).

[قال الجامع عفا الله تعالى عنه]: الذي يظهر من عمل المصنف رحمه الله تعالى في هذا الكتاب أنه يرى ترجيح مذهب القائلين يكون محل القنوت بعد الركوع، حيث ترجم له فقط، كما أنه يرى ترجيح القول بترك القنوت، حيث ترجم له آخر أبواب القنوت بقوله "ترك القنوت".

وهذا المذهب هو الذي يترجح عندي؛ لأن أكثر الأحاديث على أنه - صلى الله عليه وسلم - قنت بعد الركوع، كما أشار إليه ابن المنذر فيما تقدم، واختاره.

ثم إن هذا الاختلاف بالنسبة لمحل القنوت، وأما الاختلاف في أصل مشروعية القنوت، وعدمه، فسيأتي قريبا، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) "الأوسط" ج ٥ ص ٢٠٨ - ٢١٠.
(٢) "طرح التثريب" ج ٢ ص ٢٩١.