للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[قال الجامع عفا الله تعالى عنه]. هذا الحديث متفق عليه وقد تقدم بيان المسائل المتعلقة به في حديث الباب الماضي. وإنما أبين هنا الاختلاف في حكم القنوت في الصبح، فأقوله -وبالله تعالى التوفيق-:

(مسألة): اختلف أهل العلم في القنوت في صلاة الصبح:

فذهب جماعة من العلماء إلى أنه مشروع في صلاة الفجر، وقد حكاه الحازمي عن أكثر الناس من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم من علماء الأمصار، ثم عد من الصحابة الخلفاء الأربعة إلى تمام تسعة عشر من الصحابة، ومن المخضرمين أبو رجاء العطاردي، وسويد بن غَفَلَة، وأبو عثمان النهدي، وأبو رافع الصائغ. ومن التابعين اثنا عشر. ومن الأئمة والفقهاء أبو إسحاق الفزاري، وأبو بكر بن محمَّد، والحكم بن عتيبة، وحماد، ومالك بن أنس، وأهل الحجاز، والأوزاعي، وأكثر أهل الشام، والشافعي، وأصحابه. وعن الثوري روايتان. ثم قال: وغير هؤلاء خلق كثير.

وزاد العراقي عبد الرحمن بن مهدي، وسعيد بن عبد العزيز التنوخي، وابن أبي ليلى، والحسن بن صالح، وداود، ومحمد بن جرير، وحكاه عن جماعة من أهل الحديث: منهم أبو حاتم الرازي، وأبو زرعة الرازي، وأبو عبد الله الحاكم، والدارقطني، والبيهقي، والخطابي، وأبو مسعود الدمشقي،. وحكاه الخطابي في "المعالم" عن أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. وحكى الترمذي عنهما خلاف ذلك. وقال النوويّ في "شرح المهذب": القنوت في الصبح مذهبنا، وبه قال أكثر السلف، ومن بعدهم، أو كثير منهم. انتهى.

قال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى: (واعلم): أنه قد وقع الاتفاق على ترك القنوت في أربع صلوات من غير سبب، وهي الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ولم يبق الخلاف إلا في صلاة الصبح من المكتوبات، وفي صلاة الوتر من غيرها. أما القنوت في الوتر فسيأتي الكلام عليه في "أبواب الوتر". إن شاء الله تعالى.

وأما القنوت في صلاة الصبح، فاحتج المثبتون له بحجج: منها حديث أنس المذكور في الباب، وحديث البراء الآتي بعد باب. ويجاب أنه لا نزاع في وقوع القنوت منه - صلى الله عليه وسلم -، إنما النزاع في استمرار مشروعيته.

فإن قالوا: لفظ "كان" يدلّ على استمرار المشروعية. قلنا: قد قدمنا عن النووي ما حكاه عن جمهور المحققين أنه لا يدلّ على ذلك. سلمنا فغايته مجرد الاستمرار، وهو لا ينافي الترك آخرا، كما صرحت بذلك الأدلة الآتية، على أن هذين الحديثين فيهما أنه كان يفعل ذلك في الفجر والمغرب، فما هو جوابكم عن المغرب، فهو جوابنا عن الفجر.