للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأيضًا في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المتفق عليه -وهو الآتي في الباب التالي- أنه كان يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة، والصبح. فما هو جوابكم عن مدلول لفظ "كان" ها هنا فهو جوابنا.

قالوا: أخرج الدارقطني، وعبد الرزاق، وأبو نعيم، وأحمد، والبيهقي، والحاكم، وصححه عن أنس - رضي الله عنه - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرا يدعو على قاتلي أصحاب بئر معونة، ثم ترك، فأما الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا". وأول الحديث في "الصحيحين"، ولو صح هذا لكان قاطعا للنزاع، ولكنه من طريق أبي جعفر الرازي، قال فيه عبد الله بن أحمد، عن أبيه: ليس بالقوي. وقال علي بن المديني: إنه يخلط. وقال أبو زرعة: يهم كثيرا، وقال عمرو بن علي الفلاس: صدوق سيىء الحفظ. وقال ابن معين: ثقة، ولكنه يخطئ. وقال الدوري: ثقة، ولكنه يغلط. وحكى الساجي أنه صدوق، ليس بالمتقن، وقد وثقه غير واحد، ولحديثه هذا شاهد، ولكن في إسناده عمرو بن عبيد، وليس بحجة.

قال الحافظُ -رحمه الله-: ويَعْكُر على هذا ما رواه الخطيب من طريق قيس بن الربيع، عن عاصم بن سليمان، قلنا لأنس: إن قوما يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يقنت في الفجر، فقال: كذبوا، إنما قنت شهرا واحدا، يدعو على حي من أحياء المشركين. وقيس، وإن كان ضعيفا لكنه لم يتهم بالكذب. وروى ابن خزيمة في "صحيحه" من طريق سعيد، عن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقنت إلا إذا دعام قوم، أو دعا على قوم". فاختلفت الأحاديث عن أنس، واضطربت، فلا يقوم بمثل هذا حجة. انتهى (١).

قال الشوكاني -رحمه الله-: إذا تقرر لك هذا علمت أن الحق ما ذهب إليه من قال: إن القنوت مختص بالنوازل، وأنه ينبغي عند نزول النازلة أن لا تُخَصّ به صلاة دون صلاة، وقد ورد ما دل على هذا الاختصاص من حديث أنس - رضي الله عنه - عند ابن خزيمة في "صحيحه"، وقد تقدم، ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند ابن حبان بلفظ: "كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد، أو يدعو على أحد"، وأصله في البخاري، قال: وقد حاول جماعة من حُذّاق الشافعية الجمع بين الأحاديث بما لا طائل تحته، وأطالوا الاستدلال على مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير طائل، وحاصله ما عرفناك. انتهى كلام الشوكاني رحمه الله تعالى (٢).

وقد أطال البحث في هذه المسألة الإمام المحقق، والعلامة المدقق ابن قيم الجوزية


(١) "التلخيص الحبير" ج ١ ص ٢٤٤ - ٢٤٥.
(٢) "نيل الأوطار" جـ ٢ ص ٣٩٩ - ٤٠١.