وقال في "الفتح": قال مالك: هذه الصفة أحسن في خشوع الصلاة. وعن مالك، وأحمد رواية بالتخيير. انتهى.
واحتج هؤلاء بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الآتي، وهو أقوى؛ لأن له شاهدا من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، المذكور، وقد صححه ابن خزيمة، وأخرجه الدارقطني، والحاكم في "المستدرك" مرفوعًا، بلفظ:"إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه"، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وأجاب الأولون عن ذلك بأجوبة:
(منها): أن حديث أبي هريرة، وابن عمر منسوخان بما أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال:"كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا أن نضع الركبتين قبل اليدين".
لكن قال الحازمي في إسناده مقال، ولو كان محفوظا لدلّ على النسخ، غير أن المحفوظ عن مصعب، عن أبيه حديث نسخ التطبيق.
وقال في "الفتح": إنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن سلمة بن كُهَيل، عن أبيه، وهما ضعيفان.
وقد عكس ابن حزم، فجعل حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - في وضع اليدين قبل الركبتين ناسخا لما خالفه.
(ومنها): ما جزم به ابن القيم في "الهدي" أن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - انقلب متنه على بعض الرواة. قال: ولعله: وليضع ركبتيه قبل يديه. قال: وقد رواه كذلك أبو بكر ابن أبي شيبة، فقال: حدثنا محمد بن فضيل، عن عبد الله بن سعيد، عن جده، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال:"إذا سجد أحدكم، فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرُك كبُرُوك الفَحْل". رواه الأثرم في "سننه" أيضا عن أبي بكر كذلك. وقد روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يصدّق ذلك، ويوافق حديث وائل بن حُجْر، قال ابن أبي داود: حدثنا يوسف بن عديّ، حدثنا ابن فضيل، عن عبد الله بن سعيد، عن جده، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه".
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في كلام ابن القيم -رحمه الله- هذا نظر لا يخفى، فإن دعوى الانقلاب على الراوي الثقة الضابط بدون حجة صحيحة غيرُ مقبولة، ومن الغريب احتجاجه على ما ادعاه بما أورده من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - من طريق عبد الله ابن سعيد؛ لأنه من المعروف لدى أمثاله حالُ عبد الله هذا، وما قاله الأئمة فيه: