شرح الحديث
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه، أنه (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يعمدُ أحدكم؟) هو على حذف أداة الاستفهام الإنكاري، أَيْ أَيَعْمِدُ؟، أي يَقْصِدُ. يقال: عَمَدتُ للشيء، عَمْدًا، من باب ضَرَبَ، وعَمَدْتُ إليه: قصدته، وتعَمَّدته: قصدت إليه أيضًا. قاله الفيومي.
(في صلاته) متعلق بـ"يعمد" (فيبرُكَ) بضم الراء، يقال: بَرَكَ البَعِيرُ بُرُوكًا، من يأب قَعَدَ: وَقَعَ على بَرْكِهِ، وهو صَدْره، وأبركته أنا. وقال بعضهم: هو لغة، والأكثر أَنَختُهُ، فَبَرَك.
وهو منصوب على أنه جواب الاستفهام، كما قال في "الخلاصة":
وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفيٍ أَوْ طَلَبْ … مَحْضَيْنِ "أَنْ" وَسَتْرُهُ حَتْمٌ نَصَبْ
(كما يبرك الجَمَل) بفتحتين: هو من الإبل بمنزلة الرجل، يختص بالذَّكَر، قالوا: ولا يسمَّى بذلك إلا إذَا بَزَلَ. أي طلع نابه بدخوله في السنة التاسعة. أفاده في "المصباح".
وجمعه جَمِال بالكسر، وأَجْمال، وأَجُملٌ، وجِمَالَة بالهاء.
والجار والمجرور متعلق بمحذوف على أنه مفعول مطلق، أي وقُوعًا مثل وُقُوع الجملِ على بَرْكه. و"البرك" بفتح، فسكون: هو الصدر، كما مرّ آنفًا.
والمراد به النهي عن بُرُوك الجمل، وهو أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه، كما سيجيء التصريح به في الرواية التالية، حيث قال فيها: "إذا سجد أحدكم، فليضع يديه قبل ركبتيه، ولا يبرُكْ بُرُوكَ البعير".
وبهذا استدلّ القائلون بتقديم اليدين على الركبتين، وهو القول الراجح؛ لصحة الحديث.
ومنهم من حمل النهي في هذا الحديث على الكراهة، لتقديمه - صلى الله عليه وسلم - ركبتيه على يديه، كما مر في حديث وائل - رضي الله عنه -، لكن الأول هو الأرجح، لضعف حديث وائل، كما تقدم تحقيقه في الحديث السابق.
[فإن قيل]: كيف شَبَّه وضع الركبتين قبل اليدين ببروك الجمل، مع أن الجمل يضع يديه قبل رجليه؟
[أجيب]: بأن ركبة الإنسان في الرِّجل، وركبة الدوابّ في اليد، فإذا وضع ركبتيه