للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحديث على أنه لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء، فإن مسمى السجود يحصل بالوضع، فمن وضعها، فقد أتى بما أمر به، فوجب أن يخرج عن العهدة، وهذا يلتفت إلى بحث أصولي، وهو أن الإجزاء في مثل هذا، هل هو راجع إلى اللفظ، أم إلى أن الأصل عدم وجوب الزائد على الملفوظ به، مضموما إلى فعل المأمور؟

وحاصله: أن فعل المأمور به، هل هو علة الإجزاء، أو جزء علة الإجزاء؟

ولم يختلف في أن كشف الركبتين غير واجب، وكذلك القدمان.

أما الأول فلما يُحذَر فيه من كشف العورة. وأما الثاني -وهو عدم كشف القدمين- فعليه دليل لطيف جدًّا؛ لأن الشارع وقت المسح على الخف بمدة تقع فيها الصلاة مع الخف، فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخفين، وانتقضت الطهارة، وبطلت الصلاة، وهذا باطل، ومن نازع في انتقاض الطهارة بنزع الخفّ، فيردّ عليه بحديث صفوان الذي فيه "أمرنا أن لا ننزع خفافنا" إلى آخره (١).

فنقول: لو وجب كشف القدمين لناقضه إباحة عدم النزع في هذه المدة التي دلّ عليها لفظة: "أمرنا" المحمولة على الإباحة، وأما اليدان فللشافعي تردد في وجوب كشفهما. انتهى كلام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى.

واعترض الحافظ على قوله الأخير، فقال: وفيه نظر، فللمخالف أن يقول: يخص لابس الخف، لأجل الرخصة.

قال: وأما كشف اليدين ففيه أثر الحسن، أخرجه عبد الرزاق، عن هشام بن حسّان، عنه: "أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كانوا يسجدون، وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على قلنسوته، وعمامته". وهكذا رواه ابن أبي شيبة من طريق هشام. وعلق البخاري في "صحيحه" نحوه. انتهى كلام الحافظ بتصرف (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: الحاصل أن الراجح عدم وجوب كشف هذه الأعضاء، لما ذكره ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى، ولما ثبت من أنه - صلى الله عليه وسلم - سجد على كور عمامته، كما قاله الصنعاني رحمه الله تعالى، ولما ذُكِرَ من فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) قلت: قد تقدم في "الطهارة" ترجيح القول بعدم انتقاض المسح بنزع الخف. فتنبه.
(٢) "فتح" ج ٢ ص ٣٤٦.