للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

البعير موطِنا، يبرُك فيه.

و"أن" وما دخلت عليه في تأويل المصدر عطف على "نقرة الغراب".

والمعنى نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أن يتخذ الرجل لنفسه مكانا معينا من المسجد، لا يصلي إلا فيه، كالبعير لا يبرك إلا في مَبْرَك اعتاده في عَطَنه.

قيل: الحكمة في النهي عنه أنه يؤدي إلى الشهرة والرياء والسمعة، والتقيد بالعادات، والحظوظ والشهوات، وكل هذه آفات يتعين البعد عنها كلَّ البعد.

وقال في "النهاية": قيل: معناه أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به، يصلي فيه، كالبعير، لا يأوي من عَطَن إلا إلى مَبْرَك دَمِث، قد أوطنه، واتخذه مُنَاخًا. وقيل: معناه أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود، مثل بروك البعير. انتهى (١)

قال الجامع عفا الله عنه: التفسير الثاني غير موافق للفظ الحديث، كما قاله السندي رحمه الله تعالى. فقد وقع عند ابن ماجه بلفظ: "وأن يوطن الرجل المكان الذي يصلي فيه كما يوطن البعير". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته؛

حديث عبد الرحمن بن شِبْل رضي الله تعالى عنه هذا صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وفي سنده تميم بن محمود، وهو ضعيف كما تقدم في ترجمته، وقد تفرد به عن عبد الرحمن، ففي تصحيحه نظر.

وحسنه الشيخ الألباني، وقال: يشهد له ما أخرجه أحمد جـ ٥/ ٤٤٧ - بسنده عن عثمان البَتِّيّ، عن عبد الحميد بن سلمة، عن أبيه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن نقرة الغراب، وعن فَرْشَة السبع، وأن يوطن الرجل مقامه في الصلاة كما يوطن البعير".

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: فيه عبد الحميد بن سلمة مجهول، كما في "التقريب".

لكن يشهد للجزء الأول والثاني منه حديث أنس المتقدم قبل باب، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند أحمد جـ ٢/ ص ٣١١ - قال: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: "أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث، ونهاني عن ثلاث: أمرني بركعتي الضحى كل يوم، والوتر قبل النوم، وصيام


(١) ج ٥ ص ٢٠٤.